الأسباب العشرة في حفظ الأبناء من الضياع والانحراف

ملفات متنوعة

فأول الأسباب الهامة في حفظ الأبناء والتي دعا الإسلام إليها الآباء قبل زواجهم: اختيار الزوجة الصالحة؛ نظرا لما للأم من الأثر الكبير على نشأة الأبناء

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -


 

بقلم: رضوان بن أحمد العواضي

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فلقد جعل الله لحفظ الأبناء من مزالق الانحراف وسبل الضياع أسبابا كثيرة ووسائل عديدة، يبدأ بعضها في مراحل سابقة لخلقتهم وتكوينهم، والبعض الآخر منها بعد ولادتهم؛ حرصا من هذا الدين على هذه الشريحة الهامة في المجتمع وسلامتها، جمعتها من مواطن كثيرة من الكتاب والسنة، والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.

1. فأول الأسباب الهامة في حفظ الأبناء والتي دعا الإسلام إليها الآباء قبل زواجهم: اختيار الزوجة الصالحة؛ نظرا لما للأم من الأثر الكبير على نشأة الأبناء وتكوين شخصيتهم، وحسن سلوكهم، فحرص على اختيار الزوجة المثالية بالإلتزام والاستقامة على دين الله وشرعه.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
«تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» " متفق عليه.
وحذر من التساهل في اختيار الزوجة؛ لما له من الأثر السيء على الحياة الإنسانية عموما وعلى الحياة الزوجية خصوصا. فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "
«أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء» " صحيح. التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (6/ 172).
وحرم الإسلام نكاح من عُلم فجورها وفحشها فقال الله تعالى: {ا
{لزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} } [النور: 3].

2. ذكر الله عند إتيان الرجل امرأته، حتى لا يشاركهما الشيطان فيفسد ذريتهما بمشاركتها، في الحديث الصحيح: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
«لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا» ". متفق عليه.

3. الأذان في أذن المولود فقد أذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-  في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة رضي الله عنها. كما عند الترمذي، وصححه.
 قال في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 2691): "والمعنى أذن بمثل أذان الصلاة وهذا يدل على سنية الأذان في أذن المولود". 
وقال في عون المعبود وحاشية ابن القيم (14/ 9) عن أثر الأذان على المولود: "له تأثير عجيب وأمان من الجن والشيطان كما للدعاء عند الوقاع له تأثير بليغ وحرز من الجن والشيطان".

4. تسمية المولود واختيار الاسم الحسن له، لما للاسم من الأثر الكبير على سلوك المسمى، فلكل مسمى من اسمه نصيب.
قال ابن القيم -رحمه الله- في التحفة: "الفصل التاسع في بيان ارتباط معنى الاسم بالمسمى وقد تقدم ما يدل على ذلك من وجوه: أحدهما قول سعيد بن المسيب ما زالت فينا تلك الحزونة وهي التي حصلت من تسمية الجد بحزن وقد تقدم قول عمر لجمرة بن شهاب أدرك أهلك فقد احترقوا ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من كان اسمه حربا أو مرة أن يحلب الشاة تلك التي أراد حلبها وشواهد ذلك كثيرة جدا فقل أن ترى اسما قبيحا إلا وهو على مسمى قبيح".تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 146).
وخير الأسماء: عبدالله وعبد الرحمن، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
«إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن » " رواه مسلم ( 2132) . 
ولا يصح تسمية الأبناء بأسماء الكفار الخاصة بهم، أو تسميتهم بأسماء الفساق والفجار حبا واعجابا بهم.
قال العلامة بكر أبو زيد -رحمه الله-: " أما تلك الأسماء الأعجمية المولدة لأمم الكفر المرفوضة لغة وشرعًا، والتي قد بلغ الحال من شدة الشغف بها التكني بأسماء الإناث منها، وهذه معصية المجاهرة مضافةً إلى معصية التسمية بها، فاللهم لا شماتة".تسمية المولود:(7).
فان سمى الأب ولده باسم أبيه أو أمه فحسن وتلك هي السنة، في الصحيح من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
«ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم » " رواه مسلم ( 2315).

5. تربية المولود وتنشأته على خصال الفطرة، وشعائر الإسلام، ومظاهر التوحيد، فلا يسمعانه ما قبح أو فحش، ولا يريانه في صغره ولا عند كبره الحرام، حتى تدوم صلته بربه، وتسلم فطرته الحنيفية من التبديل أو التغيير، في الحديث الصحيح: "
«كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه» " متفق عليه.

6. أمرهم بالصلاة وحثهم عليها، فاذا ترعرع الولد ذكرا كان أم أنثى وبلغ من العمر سبع سنين، شرع الإسلام للوالدين أن يحميا ولدهما بسياج فولاذي صلب يقيه من كل دنس، ويحميه من كل خبث ونجس، فشرع لهما أمر أولادهم بالصلاة؛ لما الصلاة في هذا السن المبكر من الأثر الكبير في حفظ الولد من لوث الشهوات، ومجون الرذيلة والفاحشة، قال الله تعالى: {
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} } [العنكبوت: 45].
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
«مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع» » حسن. مشكاة المصابيح (1/ 181).
والأمر بالصلاة هنا لا يعني تنبيه الأبناء بدخول وقتها فحسب، بل لا بد من بيان ما تتوقف عليه صحة المأمور به، فلابد من تعليم الأبناء الوضوء؛ شروطه وأركانه ومبطلاته، وكذا الصلاة وما تتوقف عليه صحتها، حتى يهاب الولد الصغير هذه الشعيرة ويقدرها قدرها فاذا وجبت عليه أداها باتقان وإحسان.

7. الدعاء لهم بالصلاح والاستقامة، وعدم الدعاء عليهم، قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- «
«لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم» » رواه مسلم.

8. فاذا كبُر الولد ذكرا كان أم أنثى، وبلغ الحلم، نُبه الآباء الى ضرورة حماية أبنائهم من سموم المجتمع المحيط بهم، فأوصاهما بأن يتخيروا لأبنائهم الرفقة الطيبة، وجلساء الخير، لما في الجليس من الخطورة بمكان على الأبناء، فالصاحب ساحب، يؤثر على صاحبه في فكره، ، وبناء شخصيته، بل حتى في مصيره الأخروي، قال الله: {
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} } [الفرقان: 27 - 29]. وقال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، وقال سبحانه في بيان حسرة أهل النار ممن اتخذوا لأنفسهم أصدقاء السوء: { {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} } [الشعراء: 100، 101] 
وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (مثل الجليس الصالح ومثل جليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير) صحيح. الصحيحة (3214).

9. ثم نبه الإسلام على ضرورة حفظ الولد من سعار الشهوة الجنسية وشدة الرغبة بالزواج، فقال الحق تعالى: {
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} } [النور: 32].
فدعا الإسلام الى حفظ الأبناء بتزويجهم عند البلوغ صونا لهم من الحرام وحفظا لأعراضهم.
وقد ذهب بعض أهل العلم الى أن على الوالد تزويج ولده، ان احتاج الولد لذلك، وكان الأب قادرا على تزويجه، لأنه من جملة النفقة الواجبة عليه تجاهه، ولا تقل شهوة الزواج أهمية عن شهوة الطعام والشراب، ويقدم تزويج الولد على الصدقة، بل حتى على الحج الواجب ان اشتدت حاجة الولد للزواج، وخشي عليه من الفتنة. انظر: المغني" (5/12)، المجموع" (7/71) للنووي، الإنصاف" (9/204)، فتاوى أركان الإسلام" ( ص440-441 ).
ومثل ذلك الفتاة فيحرم على الوالد أو غيره من الأولياء منعها من الزواج إن تقدم لها الرجل الصالح، بل عليه أن يبادر إلى تزويجها وعفتها.
فقد حث الإسلام على اختيار الصالح من الرجال، والصالحات من النساء كما في الآية السابقة، ولقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «
«إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» ». رواه الترمذي. "حسن". مشكاة المصابيح (2/ 929) 3090 -[11].
وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في تحديد المعيار الشرعي لاختيار الزوجة وقد تقدم: ... فاظفر بذات الدين تربت يداك.

10. العدل بين الأولاد في الهبة والأعطية. فالإسلام لم يترك الولد حتى بعد زواجه وأخلا مسؤولية الوالدين بعد ذلك عنه، بل أوصى به خيرا حتى بعد أن صار متزوجا وان كان حتى أبا فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- : «
«اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف» » ."صحيح". صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 239).
فحرم على الوالدين والأولياء ترك أبنائهما دون إعانتهم ونصرتهم لما يحتاجون له من مال أو رأي أو قضاء حاجة، وحرم على أبويهما تخصيص أحدهما بهبة عن سائر الأبناء، وحرم تخصيص أحدهم بوصية دون الآخرين، فقال الله تعالى: {
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} } [النساء: 11]. وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " لا وصية لوارث ". "صحيح". صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1256).
فنبه الحق سبحانه وتعالى إلى ضرورة مراعاة حق الأبناء حتى وإن كان الوالدين على فراش الموت فمسؤوليتهم تجاه أبنائهم لم تنتهي بعد، لما لتخصيص بعضهم دون البعض الآخر بالوصية والأعطية من الضرر الجسيم بباقي الورثة فقد يصاب بعضهم بالفاقة والفقر الذي يلجأ بسببه الى الحرام وهذا ما يسد الإسلام الباب دونه.
 
والحمدلله رب العالمين...