لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله

أبو الهيثم محمد درويش

{ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)} [الحشر]

  • التصنيفات: التفسير -

{لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ}  :

قبل أن تنهزم نفسياً لك أن تعلم أن من سنن الله في الكافرين والمنافقين أن المؤمنين أشد رهبة في صدورهم من الله وقتالهم للجيوش الإسلامية أشد عليهم من عذاب الله الذي لا يؤمنون بقدومه فدنياهم ملأت قلوبهم , لذا تجد أن الكفار يحاولون بشتى الطرق إقناع الأمة المسلمة بأنها ضعيفة لا تقوى على قتال وبأن الكفار أشد بأساً ومنعة منهم وذلك لبث الهزيمة النفسية في قلوب المؤمنين , وحديثاً يجيش الكفار آلاتهم الإعلامية الضخمة لبث روح الهزيمة والرعب في قلوب المسلمين وإقناعهم بأن الأمر منتهي وأن الغلبة لغيرهم بلا جدال, يتبعهم في ذلك إخوانهم من المنافقين الذين يبثون الإرجاف والتخويف في صفوف المؤمنين ويوالون أعداء الأمة في كل موقف ويبغضون أبناء الأمة المخلصين وتظهر تلك البغضاء جلية من فلتات اللسان وفي أوقات الأزمات.

أما الحقيقة الغائبة التي لا يعلمها إلا من خلق كل الأنفس هي أن الكافر والمنافق مجبول على الرهبة والخوف من المؤمن, بل خوفهم ورهبتهم من المؤمن أشد من خوفهم ورهبتهم من الله.

لا يقاتل الكافر والمنافق إلا مضطراً ولا يقاتل إلا من وراء حجاب وجدر ومرتفعات تخفي هلعه وخوفه وذعره, أصحاب قلوب متفرقة وإن بدى في الظاهر تآلفهم , فدنياهم غرتهم وكل منهم يسعى لنيل أوفر حظ ونصيب , ذلك بأنهم قوم ضعاف العقول ضعاف القلوب.

قال تعالى:

{ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)} [الحشر]

قال السعدي في تفسيره:

والسبب الذي أوجب لهم ذلك أنكم - أيها المؤمنون - { أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ } فخافوا منكم أعظم مما يخافون الله، وقدموا مخافة المخلوق الذي لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا، على مخافة الخالق، الذي بيده الضر والنفع، والعطاء والمنع.

{ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} } مراتب الأمور، ولا يعرفون حقائق الأشياء، ولا يتصورون العواقب، وإنما الفقه كل الفقه، أن يكون خوف الخالق ورجاؤه ومحبته مقدمة على غيرها، وغيرها تبعا لها.

{ { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا} } أي: في حال الاجتماع { {إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} } أي: لا يثبتون لقتالكم ولا يعزمون عليه، إلا إذا كانوا متحصنين في القرى، أو من وراء الجدر والأسوار.

فإنهم إذ ذاك ربما يحصل منهم امتناع، اعتمادا على حصونهم وجدرهم، لا شجاعة بأنفسهم، وهذا من أعظم الذم، { { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } } أي: بأسهم فيما بينهم شديد، لا آفة في أبدانهم ولا في قوتهم، وإنما الآفة في ضعف إيمانهم وعدم اجتماع كلمتهم، ولهذا قال: { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا } حين تراهم مجتمعين ومتظاهرين.
{ و } لكن { {قلوبهم شَتَّى} } أي: متباغضة متفرقة متشتتة.
{ {ذَلِكَ} } الذي أوجب لهم اتصافهم بما ذكر { {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} } أي: لا عقل عندهم، ولا لب، فإنهم لو كانت لهم عقول، لآثروا الفاضل على المفضول، ولما رضوا لأنفسهم بأبخس الخطتين، ولكانت كلمتهم مجتمعة، وقلوبهم مؤتلفة، فبذلك يتناصرون ويتعاضدون، ويتعاونون على مصالحهم ومنافعهم الدينية والدنيوية.
مثل هؤلاء المخذولين من أهل الكتاب، الذين انتصر الله لرسوله منهم، وأذاقهم الخزي في الحياة الدنيا.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن