طراقيع ثقافية!!
حمزة بن فايع الفتحي
والتي وجدت نفسها في الفضاء الالكتروني، ولكنها لم تجدها في اللقاءات الثقافية الحية، وبعضها يمارس التثاقف عبر النقد الواتسي، والمخلوط بنميمة واتسية، تصور وتدقق وتحرض، وإذا ما حضرت اللحظة الفارقة تنكصوا تنكص جبناء الحي.
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
الطراقيع مصطلح مستعار لمن يتهيب المواجهة فكراً أو ثقافة أو سياسة أو إدارة وحوارا ، ويلوح بالصوت والضجيج، دون سحر ألفاظ محقة، أو رونق أريج لامع، أو زبرجَد فكر مكنون، قد تباهى برفيع الدليل، وصحيح البرهان ،. فهو جعجعة بلا طحين.
ولا يُقصد هنا اللعبة المعروفة.
ولا تغريدة الأطفال العيدية، ولا أهازيج الفرح المشهورة، من طراطيع أو فراقيع، وفي منطقتنا يقال: طراقيع. أي الألعاب النارية.
ولكنها تمثيل بما يحصل من الاستعمال الإلهائي والتهييجي، ثم سرعان ما ينقضي، ويتلاشى وينقشع أثره.
وكذا هي الأجواء الثقافية، والمنتديات الحوارية الفكرية، تتعالى أصواتها، ويشتعل صخَبها، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح القاطع، والبرهان الساطع، والتحقيق اللامع.
وكل يدعي وصلاً بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاكا.
وفي الأمثال العالمية: (إنما تنبعث الأصوات العالية من الأوعية الفارغة).
ويمثلون لتلك الطرقعة الثقافية، بما يلي:
١) احتكار البيئة: شكلاً ولونا ومعنى وحالا، ومكانا وزمانا، اعتقاداً منهم أن الأرض ملكهم، والجو إرثهم، والسكنى والمواطنة تخرج من جلبابهم، وليس لأحد التفاعل، أو المشاركة او التميز، أو مماسة طلة الإبداع، والنظر من شباك المثاقفة والابتكار الفكري.
٢) التهديد السحيق: عبر جعجعات طاحنة، وصرخات مشتعلة، توحي بحزم وإصرار وتمكن وعند التفتيش والتنقيح، أو انطلاقة الصولات والميادين الثقافية، يفرون فرار الأسد، معتذرين بالغياب، والظرف الخاص، والشغل الآني.
٣) النقدات المستخفية: في تواصل اجتماعي مبتور، أو واتس محتكر، أو رسائل مدسوسة بغلاف الحياء والخجل، ولولا الجبن لما رأينا آلاف الأسماء والمعرفات الحركية.
والتي وجدت نفسها في الفضاء الالكتروني، ولكنها لم تجدها في اللقاءات الثقافية الحية، وبعضها يمارس التثاقف عبر النقد الواتسي، والمخلوط بنميمة واتسية، تصور وتدقق وتحرض، وإذا ما حضرت اللحظة الفارقة تنكصوا تنكص جبناء الحي.
وإذا لم يكن من الموت بدٌ
فمن العار أن تموت جبانا
٤) محاصرة المبدع : وأن الإبداع لا يمكن أن يولد إلا في بيئات تروق لهم ولاختياراتهم، فلا يحبون رؤية متميز، ولا أفنان مبدع، ولا أقاحي مفكر.
وإذا ما نشر شيئا ماتعا، نشروه بشفرات النقد الحارقة، ولسعات التهكم الماحقة.
فأنت في حسهم ، لست إلا متطفلا على الموائد الثقافية،. لأنهم إما أن يحاصروك! أو توضع في زنزانة الإلغاء. أو توبخ للإقدام الثقافي في زعمهم.
أو تلحق بك معاول التتبع والتسخيف!!
فيسيطر عليهم هاجس الاتهام، وتخالطهم ثورة الشك الداخلية، والمحتفة بالهوى والردى!.
وكما قال المتنبي:
إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونُه
وصدّق ما يعتاده من توهم.
٥) السلبية المتشائمة : والتي لا ترى إلا الأخطاء، وتبرز العثرات، وتقلل من حجم المنجزات ، وترفض الحضور والمشاركة والتفاعل على الدوام.
دائما مشغول.
ولدي ارتباطات.
وماذا عند فلان ؟.
والساحة فيها جفاف ثقافي.
وهولاء أنصاف مثقفين.
وهلم جرا من العبارات المشمئزة من كل شي، ولا تفرح بشي، أو تشجع وتدعم، أو تشارك وتسد ثغرة.
٦) المقدمات الفارغة: من كل برهان مقنع، أو حجة دامغة، وإنما هي مجرد إنشائيات فضفاضة، أو تخرّصات غرارة، وليس فيها علم محقق، أو تدقيق مليح.
٧) التراشق بالتهم: المموهة بحسن العبارات ، وجميل الألفاظ، ولكنها تهم غير محسوبة، وخالية من الأدلة، أو تجدها دعاوى يُستحيا من ذكرها.
٨) الانتقاد الشخصي: والمجافي لكل معاني الموضوعية، والأسلوب المنهجي، بحيث يعمد للشخصنة، وسلوك مسالك التجريح والإسقاط، وقد رأينا من ذلك كثيرا، ولا تخلو منه الأوساط الثقافية! يقفوها أصحاب المسالك الرخيصة، والدعاوى الباطلة.
وبالتالي يستعدي الأنام عليه، ويصدق فيه قول القائل:
ومَن دعا الناس إلى ذمهِ
ذمّوه بالحق وبالباطلِ
وحينها نخرج من الإطار الثقافي، إلى مستودع القاع الشتائمي، ونبيت عللاً ثقافية لا علاقة لنا بفنون المعرفة والإبداع، وهي خسارة للذات والوعي والثقافة، وقالت العرب في روائع أمثالها: (من غربلَ الناس نخلوه).
٩) التوجس النقدي: من تعليق او تعقيب أو رأي، ويعتقد في تصوره البدائي أنه للإسقاط، أو للإقصاء والتحطيم، وما بلغ إلى جوهر دماغه أن الثقافة عملية نقدية تفاعلية، تقوم على المماحكات الفكرية الاجتهادية، وليست مسائل حدية قطعية، تتعالى على النقاش والفحص.
وتقويم المستمعين لأعمالك المطروحة يزيد من علاك ووعيك، وينضج تجربتك، وإلا كنت معزولا، أو محفوفا في جمهرة مطبلين مهرجين، لا يصدقونك، ولا علاقة لهم بالوسط الفني الإبداعي، فالعقل إنما تحاكمه عقول مثله، لا أجراء توابع له.
١٠) التشكيل المصطنع: من خلال صحافة ضيقة، أو قناة مختزلة، أو منبر وجاهي، لا يوصل إليها إلا بشق الانفس، بل ربما وضعت الحجب، ورُصعت بالسدود، لتحول دون تشكيل صحيح، ومنهج مليح، بغية صناعة رأي عام مخصوص، وفضاء بشري معين.
فينشرون ويمنعون التعقيب، وينقدون ويقفلون الرد، متجاهلين سخط ثقافي، أو غضبة مجتمعية، وهم في النهاية فئة قليلة، وشرذمة مندسة تريد محاكمة جمهرة المجتمع، وصياغتها كيف ما تشاء، تثقيفا وتقييما، فضلا عن التدين والأخلاق. والله المستعان.
إضاءة / تحيا الثقافة وتبقى جواهرها، وتموت الطراقيع الثقافية ( {فأما الزبد فيذهب جُفاء} ).