أساطير العمل السياسي وخرافات الهزيمة و النصر

عبد المنعم منيب

الضابط هو أن يتحقق الهدف كاملا بحيث لا يسع أى أحد أن ينكر تحققه بما فى ذلك أعداؤك وخصومك فيعترف الجميع بتحققه ولا يجادل أحد فى تحققه

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

ما هي السياسة وما هي أساطير العمل السياسي وخرافات الهزيمة و النصر؟؟ لفهم إجابة هذا السؤال يجب أن نعرف معنى السياسة أولا.

ولقد اختلف العلماء فى تعريف السياسة على أقوال عديدة مشهورة.

ولكن السياسة فى التجريد النهائي هى أن تصنع الأحداث أو تستغل الفرص التي تسنح فى الأحداث (التى لم تصنعها) بما يحقق ما تريده وصولا  لتحقيق أهدافك.
وأرى أن هذا التعريف الذي أوردناه هنا الآن هو أدق تعريف لأن من أدركه بفهم عميق فإنه يتمكن من ممارسة السياسة بالأساليب الصحيحة على المسارات التكتيكية والاستراتيجية.
فضابط السياسة السليمة والخاطئة هو مدى ما تحققه لك من القدرة على صنع أغلب الأحداث (أى الأخذ بزمام المبادرة) وانتهاز فرص الأحداث التي لم تصنعها كي تحقق أهدافك إن على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي، وبالتالى فما يحقق ذلك هو صواب وما لا يحقق أيا من ذلك فهو خطأ وكل ذلك يجب أن يكون فى إطار الالتزام الكامل بالمبادىء والقيم الأخلاقية الإسلامية وضوابط الشرع الحنيف.

إذن ما ضابط القرب او البعد من تحقيق أهدافك؟؟

الضابط هو أن يتحقق الهدف كاملا بحيث لا يسع أى أحد أن ينكر تحققه بما فى ذلك أعداؤك وخصومك فيعترف الجميع بتحققه ولا يجادل أحد فى تحققه، أو أن تقترب من تحقيق هدفك اقترابا مهما ولا يشهد اقترابك هذا تراجعات ضخمة أو تراجعات تعجز عن تجاوزها بسرعة ويشهد بهذا "الإقتراب" أنصارك ولا ينكره أو يجادل بشأن هذا الاقتراب من تحقيق الهدف المنصفون من خصومك واعدائك وذوي العقل منهم، أما التراجعات المؤثرة المقبولة مثل هزيمة " غزوة أحد " حيث عاد المسلمون فى اليوم التالى بمطاردة جيش قريش بنفس جيش المسلمين الذي شهد الهزيمة دون دعمه بأى قوات جديدة وهذه المطاردة هى المعروفة في السيرة النبوية باسم غزوة حمراء الأسد فليراجعها من شاء بتفاصيلها، وكذا تراجع مثل هزيمة حنين حيث ما لبث أن فاء المسلمون وتخطوا الهزيمة وأنهوا المعركة بانتصار كامل (و لنراجع تفاصيلها أيضا في كتب السيرة والحديث).
أما التراجعات والهزائم الكبرى التي تشهدها حركات سياسية إسلامية وغير إسلامية بل وتشهدها معظم دول المسلمين فهى ليست مقبولة ولا يعتبر أصحابها قد اقتربوا من تحقيق أهدافهم لأنهم خسروا خسائر ضخمة وعجزوا عن تعويضها بسرعة مثل سرعة غزوة حمراء الأسد وأسرع منها الانتقال من الهزيمة إلى النصر فى غزوة حنين، وطبعا هناك أمثلة كثيرة مشابهة للعودة سريعا لتحقيق الهدف والانتصار الكامل فى الصراع أو المنافسة ولكن لا أريد ذكرها كى لا تكثر الأفكار فتتوه عنا الفكرة الأساسية، ولكن يمكن للقارىء أن يتفكر مليا في الأحداث الجارية القريبة وأحداث التاريخ المعاصر فسيجد العديد من أمثلة العودة السريعة وبقوة للهدف والفوز.
 وإذ حددنا فى بداية المقال تعريفا للسياسة ثم حددنا فى الفقرات التالية ضابط الصواب والخطأ فى مسارات وتوجهات وأساليب العمل السياسي فينبغي أن نوضح فى نهاية المقال أن أساليب السياسة (التكتيك)، وتوجهات ومسارات السياسة (الاستراتيجية) هى شاملة ومتكاملة ومرنة فى أغلبها فهى تتوسل لأهدافها بكل الأساليب و بالشيء وضده:
الكلام أو الصمت.
الحرب أو السلم.
القوة أو الضعف.
الإقناع أو الإكراه.
اللين أو الشدة.
الإقتحام أو الإحجام.
الجرأة أو الحذر.
 اللعب أو الجد أو المزاح و الهزل.
 الحماس والعاطفة أو التعقل و الحكمة.
 العلم أو الجهل.
 الذكاء أو السفه.
 الحلم أو الحمق والجهالة.
....الخ 
فكل شيء وارد ويستخدمه الساسة العباقرة الأذكياء وليس أشباه الساسة ولا أغبياء السياسة.
وقد رأينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأصحابه ضعفاء يعانون التعذيب والتنكيل من قريش 13 عاما ومع هذا لم يرفعوا سيفا ثم فى العشر سنوات التالية نرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقيم دولته ويمارس الحرب والسلم والتحالف والهدنة والاتفاقات والمعاهدات المؤقتة والدائمة كما مارس الحصار الاقتصادي وحروب الكلام عبر الشعر والخطابة والحرب النفسية وكل ذلك كان إزاء قريش الوثنية وقبائل عدة منها الوثني ومنها أهل الكتاب من يهود ونصارى.

وفى النهاية نفهم إجابة السؤال المشهور: ماذا نفعل الآن؟

فلاشك أن المقال أوضح لنا أن ما يجب علينا فعله هو كل عمل يحقق لنا هدفنا أو يقربنا من تحقيقه ولا يخرجنا من الطريق المؤدي لتحقيقه، كما أصبح واضحا أن كل عمل يبعدنا عن هدفنا فهو عمل ينبغى علينا أن نقلع عنه، ولا ننسى أن البلاء الذى لا يماثل " غزوة أحد " (حيث عاد المسلمون لطريق الانتصار فى اليوم التالي لهزيمة " غزوة أحد " عبر غزوة حمراء الأسد) ولا يماثل غزوة حنين (حيث انهزم المسلمون ثم انتصروا فى نفس اليوم) فهذا البلاء سنجده يبعد عن تحقيق الهدف كثيرا وحينئذ فلنخشى أن يكون عقوبة على ذنوب وتقصير اقترفناه فقط وليس رفعا للدرجات بعكس ما يظن كثر.