البيان الثالث من رابطة علماء المسلمين: الواجب على المسلمين نحو القضية السورية

ملفات متنوعة

قال سبحانه وتعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]،
ألا إن ما يتعرض له إخواننا من الشعب السوري الأبي الكريم في خلال
الأشهر الماضية لهو ظلم وإجرام وبغي وعدوان...

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وآله وصحبه الغر الميامين، أما بعد:
قال سبحانه وتعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [الحج: 39]، ألا إن ما يتعرض له إخواننا من الشعب السوري الأبي الكريم في خلال الأشهر الماضية لهو ظلم وإجرام وبغي وعدوان، فلقد حصلت خلال العقود الماضية حروب متعددة في عدد من دول العالم يحصل فيها الاعتداء والظلم، وتحصل المقاومة من الشعوب، لكن ما يحدث في سوريا فاق ذلك كله، فهو اعتداء من الحزب الحاكم النصيري العلوي على أبرياء لم يحملوا سلاحًا ولم يعتدوا على أحد.


لكنهم يطالبون مطالبة سلمية عادلة ببعض حقوقهم المشروعة من الحرية وبعض حقوقهم المنهوبة، سواء أكانت شرعية أو معنوية أو مالية أو شخصية، لكن هذا الحاكم وحزبه المجرم لا يريدان لأحد أن يطالب بأي حق من حقوقه، ولذا فإن هذا الاعتداء السافر الذي تنوع من ضرب وسجن وتعذيب وقتل وتمثيل متعمد حتى للأطفال والنساء والشيوخ، وإحراق للمساجد والبيوت، ونهب للأموال، واغتصاب للأعراض، وقتل للجنود الذين يمتنعون عن قتل المدنيين الأبرياء- لهو من أعظم الظلم والقهر والاستبداد والفساد في الأرض، وصدق شيخ الإسلام وعالم الشام ابن تيمية -رحمه الله- حيث قال: "هؤلاء القوم المسمَّون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظم من ضرر الكفار المحاربين..."، وإننا إذ ندين هذا الإجرام والاعتداء على الأبرياء من إخواننا وأهلينا وعامة الشعب السوري نوضح أن الحزب الحاكم حزب نُصيريّ علويّ بعثيّ كافر، أسفر عن حقيقته في حقده وفساد معتقده يوم طالب الشعبُ السوري بأدنى حقوقه التي كفلها له الإسلام، ولقد اتضح ظلم هذه الحكومة وإجرامها في حق هذا الشعب الأعزل. ومع هذا البلاء العظيم فإننا نذكّر إخواننا بوعد الله -تعالى-: { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر:51]، 
فالنصر قريب بإذن الله لمن نصر الله، وسعى لرفع الظلم، ومقت الظالمين: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [الحج: 39]، ومن منطلق الأخوة الإسلامية التي قال عنها ربنا جل وعلا: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، وكذلك حرص الإسلام على رفع الظلم أيًّا كان المظلوم مسلمًا كان أو كافرًا فالإسلام دين العدل والإخاء والكرامة لا يقبل الظلم على المسلم ولا من المسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: « انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» (رواه البخاري).


وبناءً على ما سبق فإن رابطة علماء المسلمين تؤكد على الحقائق التالية:

1. على الحكومة السورية الممثلة في بشار الأسد وحزبه الحاكم إيقاف المجازر والاعتداءات الظالمة، والإفراج عن المسجونين، وفك الحصار عن المدن، والاستجابة لمطالب الشعب السوري بتنحيه عن الحكم هو وحزبه، فالشعب المسلم هو صاحب الأرض وما فيها من خيرات: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } [الأنبياء:105]، وانطلاقًا من الأحكام الشرعية فإن الشعب لا يُحكم بالنار والحديد، بل بالشرع والعدل والشورى.


2. المؤمَّل من إخواننا علماء سوريا في الداخل والخارج الحرص على وحدة كلمتهم ونبذ خلافاتهم، وتوجيه الشعب السوري وتوعيته بما يصلح حاله ومآله، حتى لا يستغل هذه المطالبة بالحقوق مَن لا يفي بها لو تولى قيادة الشعب كما حدث ويحدث في بعض الدول من سرقة المكتسبات التي تدفع الشعوب المسلمة ثمنها غاليًا.

3. على الشعب السوري الالتفاف على علمائه ووجهائه، وأن يقوموا بتنظيم أمورهم وحفظ أمنهم ورعاية أحوال المستضعفين على قدر الاستطاعة وتنظيم اللجان التي تقوم بإغاثة الأسر المحتاجة والعاجزين.

4. الواجب على الشعوب المسلمة في كل بلد الوقوف مع إخوانهم في سوريا وتخفيف معاناتهم ببذل المال والغذاء والكساء والدواء، وبالأخص من دول الخليج والدعاء لهم بصلاح حالهم وتفريج كربتهم.

5. المؤمَّل من الهيئات الإسلامية من روابط وجمعيات ومؤتمرات واتحادات أن يقفوا مع الشعب السوري المظلوم، ويرفعوا الظلم عنه، ويطالبوا الحكومة بالتنحي، حفظًا للدماء والأعراض، ووفاء بحقوق الأخوة، وحماية للضعفاء والشيوخ والنساء والأطفال.

6. إن مما يحزن المسلم عدم سماع صوت النصرة لإخواننا في سوريا وغيرها سواء من جامعة الدول العربية أو الحكومات العربية والإسلامية، وهذا ينذر بخطر عظيم لأن التخلي عن نصرة المظلوم يحدث الفرقة وقد يوقع العذاب بالأمة جميعًا وبتلك الدول الصامتة والمتواطئة سرًا أو علانية، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]، فالواجب على الجميع وبالأخص جامعة الدول العربية الإسراع في إيقاف حرب الإبادة وإجبار حكومة سوريا على رفع الظلم.


7. المنتظر من دول الجوار لسورية أن يسعوا لتخفيف معاناة إخوانهم النازحين من ظلم حكومة بشار الأسد، فيهيئوا لهم الأماكن المناسبة من مخيمات وخدمات صحية واجتماعية وغذائية، والحذر من تسليم أحد من أفراد الشعب السوري الذين تطلبهم الحكومة السورية، لأن ذلك إعانة على الظلم والقهر، ونُشيد بموقف تركيا وأبناء طرابلس في لبنان لموقفهم باستضافة إخوانهم النازحين من حرب بشار وحزبه.


8. على العلماء الموظفين لدى السلطة السورية -وبخاصة أهل السنة- أن يتقوا الله في أنفسهم وفي أهليهم من أفراد الشعب السوري، وأن يحفظوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم، وألا يسكتوا عن هذا الظلم فضلاً عن الوقوف مع الظالم الباغي، وأن يستعملوا ما لهم من مكانة عند الحكومة بكف شرها عن الشعب السوري، فلعل هذا الموقف أن يكفر ما سبق من تخاذل أو تقصير، وأن يختموا حياتهم بالنصرة لإخوانهم فذلك خير لهم في الدنيا والآخرة.


9. أن الواجب على أفراد الجيش والأمن بمختلف شُعَبه وأقسامه الكفُّ عن قتل أهليهم وإخوانهم، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده، وليست لحكومة ظالمة باغية، مصداقًا لقوله سبحانه: { إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف: 128].

10. الابتلاء والامتحان سنة ربانية قدرها الله على عباده من الأنبياء الذين هم خير خلق الله في كل زمان، وأتباعهم الذين هم صفوة البشر بعد الأنبياء والرسل، وقد يكون في الابتلاء طهارة وتمحيص وتكفير للعباد من تبعة التقصير والخطأ والتخاذل، قال تعالى: { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [الأنبياء: 35]، اعلموا إخواننا في سوريا وفي كل مكان أن الله لا يقدر شرًّا محضًا، بل في مثل هذه الأحداث والمقاومات للحكومات المستبدة خير عظيم ورفع للظلم، وإن من أعظم الظلم محاربة شرع الله وعدم تطبيقه على عباد الله: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، ولذا فلابد من البعد عما يغضب الله أو رفع شعارات جاهلية قد تكون سببًا لتأخر النصر أو حرمانه.

11. يجب السعي بكل وسيلة ممكنة وبخاصة في الإعلام الحر لفضح التدخل الإيراني المباشر أو عن طريق عملائه، كالحزب المسمى بـ(حزب الله) في لبنان، وخطرهم على الأمة المسلمة لا يغيب عن مُنصِف مُطّلِع، علمًا أن التجمع الصفوي الرافضي يسعى لدعم الحكومة النصيرية من أجل تحقيق السيطرة على سورية ولبنان، وهم متواطئون مع الغرب واليهود، كما حصل في العراق وغيرها لكل ذي عينين.


12. المطلوب من عموم الطائفة العلوية عدم الانقياد لجرائم النظام الباغي والانسياق معه في إبادة الشعب السوري، فان الأيام دول، وهم أقلية في الأمة فليحذروا العواقب، وقد عاملهم أهل السنة بالعدل منذ مئات السنين، ولا عبرة بمن شذ فظلم، ثم إن ظلم حاكم سوريا وزمرته واقع على جميع الشعب السوري.


وفي ختام هذا البيان نُشيد بالموقف التركي الذي استقبل إخواننا النازحين من ظلم حكومتهم، كما نأمل من حكومة تركيا التدخل القوي والعاجل بالضغط على الحكومة السورية لإيقاف المجازر والمداهمات والحصار والتشريد والإبادة. فتركيا لها تاريخ سابق لا ينكر في قيادة الأمة ورعاية شؤونها، وهي -ولله الحمد- تمتلك قوة سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة جدًا، فعليها المسارعة للنصرة، فتدخلها معين بإذن الله على رفع المعاناة عن الشعب السوري { وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [يوسف: 21].

وسنة الله الجارية: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251]، والنصر قريب بإذن الله تعالى، { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } [الشعراء: 227].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


10/8/1432 هـ


صدر من رابطة علماء المسلمين يوم 10/شعبان/1432.
رئيس الرابطة:الأمين الحاج. أمين عام الرابطة: ناصر بن سليمان العمر


المصدر: موقع المسلم