نظرات في كتاب "الرسالة المحمدية" : المقال الرابع

ملفات متنوعة

فحرم بذلك الرهبانية وأباح الزواج، وحرم ازهاق الأرواح، تقربا للآلهة وتقديم القرابين للأوثان، ودعا الى تقديم الأضاحي لله الواحد الديان، وحرم وأد البنات، والتفاخر بالمال، والحسب والنسب

  • التصنيفات: السيرة النبوية -

بنداود رضواني                                      

 

المحاضرة الثامنة: الرسالة المحمدية، والدعوة إلى العمل. 


هذه هي المحاضرة الأخيرة من محاضرات الرسالة المحمدية، وفيها يحصر الشيخ سليمان الندوي رحمه الله أسباب الفساد في عقيدة التوحيد عند الأديان السابقة والشرائع السالفة، في ثلاثة أسباب رئيسة:
السبب الأول، ويتمثل في عقيدة التشبيه والتمثيل، التى اختفى فيها إسم"الله" الرب الحقيقي، فحلت التشبيهات بصور مجسمة محله، فصار الناس يعبدون الأصنام ويسجدون لها، حتى اتخدوا من رحمة الله بهم وحبهم له تمثالا وصنما، وأسقطوا علاقة الحب بين الأب وأبيه على علاقة الحب بين الخالق والمخلوق، فأضحى الله عندهم أما، وهذا ما تجسد عند الروم والإغريق الذين اتخدوا إلههم في صورة امرأة. وأما الآشوريون والبابليون وبنو إسرائيل، فنظرا للقيمة المنحطة للمرأة في نظرهم، فقد اعتقدوا أن الإله هو الأب، وجميع الملائكة والبشر أولاده، أما النصارى فقد حل تمثيل الأب والإبن فيهم محل الحقيقة.
إن أفضل تجل لعلاقة الحب بين الخالق والمخلوق موجود في الرسالة المحمدية، فيها أبعدت كل التعبيرات المنحرفة والمصنوعة في أشكال تجسيمية وتشبيهية هذا أمر أول، وأما الأمر الثاني، فهذه التعابير المنحرفة تعد طريقا معبد نحو الشرك، فكان من مهمات الرسالة المحمدية سد هذا الطريق أمام البشرية جمعاء، هذا سبب أول.
وأما السبب الثاني: فأتى من جهة الإنحراف في عقيدة الصفات، والتي جعلوا فيها كل صفة من صفات الله منفصلة عن الذات، فالنتجة -حسب المحاضر- حوالي ثلاثمائة وثلاثين مليون إله، كما هو الحال في الديانة الهندوكية، أما الهندوس فقد تفرقوا حيال التجسيم إلى فرق ومذاهب، منهم اله "برهما" وهو يجسد الخالق، و"وشنو"على الإله القيوم، أما "شيو" فتجسيد للمميت ؟؟!!.
إلا أن الرسالة المحمدية قد كشفت النقاب عن هذه الأخطاء الفاحشة، وأثبتت من انخدع بتعدد الصفات وجعلوها مستقلة إنما وقعوا فريسة الجهل والغواية، وحادوا عن الصراط المستقيم، وأعلن القرآن الكريم، فقال ( {الحمد لله رب العالمين} )، [الفاتحة، 2] ، وقال، ( {وله المثل الأعلى} )، [الروم، 27] ، وقال كذلك ( { الله نور السموات والأرض } )، [النور،35] .
لقد أرشدتنا الرسالة المحمدية، أن الله تعالى هو الذات الواحد الخالق الباريء الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، وهو الرحمن الرحيم، وليست هذه الصفات إلا لذات واحد، ألا وهو الله سبحانه.
وأما السبب الثالث، فقد تمثل في الإنخداع بأنواع وضروب الأفعال المختلفة والمتلونة، ومعنى ذلك الإنخداع بأن الأفعال المختلفة هو شخصيات مختلفة، فمنها من هو مميت ومحيي، ومن يأمر بالحرب والقتال، ومن يدعو إلى الصلح، ومنها من هو إله العلم.... يقول الإمام الندوي: "فجاء الإسلام وصحح لهؤلاء السفهاء هذه العقلية الباطلة الزائغة، وبين لهم أن هذه ضروبا من الأفعال الصادرة عن الله ". 
ويبدو أن ما جال ببال الزرادشتيون من استحالة صدور الخير والشر عن ذات واحدة، لأنهما متضادان قد أوقعهم مرة أخرى في فساد الإعتقاد، فاتخدوا لعمل الخير إلها، ولعمل الشر إلها آخر.
ويتحول الندوي إلى فكرة مفادها أن الدنيا ليس فيها شيء يطلق عليه خير أو شر، فالإنسان هو الذي يجعله خيرا إذا أصاب استعماله، أو شرا إذا أساء استخدامه، فطبيعة عمل الإنسان هي المسؤولة عن الخير والشر.
وقصد المحاضر من إقحام قضية الخير والشر هنا هو تأكيد على أن اختلاف الأفعال لا يدل على تعدد الفاعلين واختلافهم، بل كل ما في الكون من عجائب الخلق، وحسن الصنعة،....هو من الواحد الخالق الذي لا شريك له. 
وفي ختام هذه المحاضرة الأخير يقف هذا العالم طيب الله ثراه، على مظهر آخر من مظاهر فساد المذاهب السابقة والديانات السالفة، حين توهمت أن تعذيب الجسد يكون سببا فى ارتقاء الروح وسموها، وفي طهارة القلب وصفاءها، كما في الهندوسية والمسيحية.
ولما جاء الإسلام حرر الإنسان من هذه الأغلال والسلاسل والمصائب، قال تعالى( {لايكلف الله نفسا الإ وسعها} )، البقرة، 286 , فحرم بذلك الرهبانية وأباح الزواج، وحرم ازهاق الأرواح، تقربا للآلهة وتقديم القرابين للأوثان، ودعا الى تقديم الأضاحي لله الواحد الديان، وحرم وأد البنات، والتفاخر بالمال، والحسب والنسب، واللون واللغة، والشكل والصورة، وهذا الإعلان الإنساني الذي أقامته الرسالة المحمدية في صعيد عرفات إبان لحظة اكتمال الدين وتمام النعمة: " « ياأيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على على أعجمي ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى» ." [حديث أخرجه أحمد في المسند، الهيثمي في مجمع الزوائد،و والبيهقي في الشعب، والمنذري في الترغيب] .

انتهى بحمد الله.