الاعتكاف وأحكامه (1)
محمد صالح المنجد
الاعتكاف فيه قطع العلائق عن الخلائق، والاشتغال بعبادة الخالق، هذا الاعتكاف فيه تقوية الصلة بالله، والأنس به سبحانه، هذا الانقطاع لله يورث في النفس فرحاً، هذا الاعتكاف الذي صار في كثير من الأماكن سنة مجهولة قل من الناس من يفعله.
- التصنيفات: تزكية النفس - الحث على الطاعات - ملفات شهر رمضان -
إن الاعتكاف: وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى من أعظم القربات والخيرات، حتى أن العلماء لما ذكروا أن العبادة ذات النفع المتعدي أفضل من ذات النفع اللازم، إلا الواجبات التي لا بد من القيام بها، فإنهم استثنوا الاعتكاف من هذه القاعدة، وقالوا: إن الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان أفضل من تعليم العلم، مع أن تعليم العلم في الأصل أفضل لأن نفعه متعد، وليس بقاصر على الشخص، والاعتكاف نفعه قاصر على الشخص، لكن لفضل الاعتكاف، وعظم أجر الاعتكاف قالوا: بأن الاعتكاف في ليالي العشر الأواخر من رمضان يقدم على تعليم العلم، ومجالس الإقراء، والحديث؛ لفضله، وأجره، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم له، ومواظبته عليه، و لما فيه من إصابة ليلة القدر، لأن الذي يعتكف العشر الأواخر سيصيبها قطعاً.
إن الاعتكاف خلوة هذه الأمة، فقد كان الرهبان يعكفون في المغارات، والكهوف، لكن في ديننا ليس هنالك رهبانية مبتدعة، فمعنى الخلوة أين يكون؟ الخلوة بالله مهمة، فيكون في مثل الاعتكاف، ويكون في مثل قوله عليه الصلاة والسلام «ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه»
لكن لا يلزم من هذه الخلوة ترك المجتمع، والتباعد عن الأهل بالكلية، لا، بل يقوم بحقوق الناس، لكن هذه الأيام تعد لها عدتها.
هذا الاعتكاف فيه قطع العلائق عن الخلائق، والاشتغال بعبادة الخالق، هذا الاعتكاف فيه تقوية الصلة بالله، والأنس به سبحانه، هذا الانقطاع لله يورث في النفس فرحاً، هذا الاعتكاف الذي صار في كثير من الأماكن سنة مجهولة قل من الناس من يفعله،
وبعضهم يستصعبه جداً فإذا جربه مرة وجد له حلاوة، وقد يقول: وكيف أنام، وكيف آكل، وأين، ولكن المسألة سهلة؛ لأن هذا الحطام الفاني إذا خالف الإنسان فيه عاداته المألوفة لله تعالى؛ دربه ذلك على خير كثير، وصارت تربية لنفسه، هذا الذي يتباعد عن لذة الراحة، وشهوة الزوجة، لتطمئن نفسه بقراءة القرآن، والتوبة، والمحاسبة، وعمارة الوقت بالطاعة، فيحمي قلبه من كثيرة الخلطة، وكثرة النوم، هذا الذي يجعله صحيح القلب، بل حتى فيه صحة للجسد، هذا الذي يكون في بيوت الله {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة: 187] هذه المساجد التي تتفاوت في فضلها بأقدميتها، وكثرة عدد من فيها، وأفضلها المساجد الثلاثة، ولذلك جاء التأكيد على الاعتكاف فيها، {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [سورة التوبة: 108] هذه الأقدمية، وبيت الله الحرام أول بيت وضع للناس، وهو رأس المساجد في العالم الذي يعتكف فيه المسلم.
والاعتكاف يمكن أن يكون يوماً وليلة، وهو صائم، بل يمكن أن يكون ليلة عند عدد من العلماء من المغرب إلى الفجر، فهذا ينتفع به الموظف الذي لا يستطيع أن يعتكف العشر، فيعتكف في آخر الأسبوع، وكذلك يعتكف ليلة، بل إنه لو أخذ إجازة رسمية من العمل لأجل الاعتكاف لم يكن ذلك بشيء كثير، بل هو قليل فيما يكون من أجره وثوابه، ولكن تضييع الأعمال سواء كانت إمامة المساجد، أو الوفاء بالعقود، لا يجوز من أجل الاعتكاف؛ لأن ذاك واجبٌ، وهذا مستحب.