لماذا نعتمر في رمضان (1)

محمد حسين يعقوب

لابد أن تفهم في العمرة أنك مهاجر إلى الله، فارٌّ إلى الله، مرتحلٌ ذاهبٌ إليه، فرار من الفتن، فرار من الدنيا،

  • التصنيفات: فقه الحج والعمرة - مناسبات دورية -

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» فلابد من تحرير النية وتمحيصها قبل التفكير في أداء عمرة في رمضان، وإلا فإن هذا العمل العظيم -عمرة رمضان- يصبح عند فساد النية هباءً منثورًا، تعالوا لنحرر ابتداء لماذا نعتمر في رمضان؟


أولًا: الرحلة إلى الله:
قال بعض السلف: ذكرتني هذه الرحلة بالرحلة إلى الله.
عندما تذهب إلى العمرة، تذهب إلى من؟.. ترتحل إلى من؟.. إنك تكون في رحلة إلى الله تعالى، تفهم فيها معنى الفرار إلى الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ} [الذاريات: 50]، وترى فيها معنى الهجرة: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
فلابد أن تفهم في العمرة أنك مهاجر إلى الله، فارٌّ إلى الله، مرتحلٌ ذاهبٌ إليه، وهذا كله يدخل في معنى كلمة "لبيك اللَّهم لبيك".


ثانيًا: التلبية والفرار إلى الله:
كثيرٌ من الناس يردد هذه التلبية ولا يفهم معناها، ولبيك معناها: جئتك يا رب.. أستجبت لأمرك.. كان بعض السلف إذا ضاق صدره دخل بيته وأغلق على نفسه الباب وقال: إلهي.. إليكَ جئتُ، هذا المعنى تجده حقيقة في العمرة، وأنت ذاهب إلى بيت الله تقول: يا رب جئت إليك، لذلك فإن الذي يحس هذا المعنى لا يردد التلبية على أنها نشيد أو أغنية تقال كما يفعل كثيرٌ من الناس، لا.. وإنما يلبي من قلبه، بل يُلبِّي قلبُه، فقلبه هو الذي يردد: لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

لذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من مُلَبٍّ يلبي إلا لَبَّى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مَدَر، حتى تنقطع الأرض من ها هنا ومن ها هنا»، فيصبح هذا الملبي مركز الكون، كل ما عن يمينه يلبي معه، وكل ما عن شماله يلبي معه، وهو نقطة مركز الدائرة، فاستشعار ذلك يملأ القلب خضوعًا وخشوعًا للملك جلَّ جلالُه،

قال جابر -رضي الله عنه-: "خرجنا من المدينة نصرخ بالحج صراخا"، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خير الحج العَجُّ والثَّج».


العج: هو رفع الصوت بالتلبية، والثج: كثرة إراقة الدماء، لبيك اللَّهم لبيك.. تقول: جئت إليك، جئت إليك بذنوب العمر.. بهموم العمر.. بمآسي السنين.. بكُرَب الحياة.. جئت إليك وليس لي غيرك.. ومن ذا الذي أذهب إليه سواك؟!.. عبيدك سواي كثير وليس لي غيرك.. لبيك..


عندما تقولها بهذا المعنى؛ فسوف تكون من قلبك.. من عقلك.. من عينيك.. تكون لبيك من كل ذرة في جسمك، بكل كِيانك، لبيك حقيقة،

فالمعنى الثاني من معاني العمرة: الفرار إلى الله، فرار من الفتن، فرار من الدنيا، فرار من الماضي الحزين إلى الله الرحيم الحَنَّان.


ثالثًا: الهجر إلى الله:
والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، وفي قصة قاتل المئة، أمره العالم أن يخرج من بلده. لأنها بلد سوء، وأن يذهب إلى بلد آخر فيها أناسٌ صالحون ليعبد الله معهم، وهذا المعنى نجده في العمرة، فأنت مهاجر إلى الله، تركت ذنوبك، ومعاصيك وغفلتك.. تركت أهلك، ودنياك، تركت كل شيء وجئت لربك وليس معك شيء من الدنيا لتعبد الله مع الصالحين من عباده في أطهر بقعة على ظهر الأرض؛ لذلك فلابد أن نتكلم عن النية: لماذا نعتمر؟، لماذا ذهبت إلى عمرة رمضان؟


هل لأنها صارت عادة عندك؟، وهل لو أنك لم تذهب سيتكلم الناس عنك بسوء؟، وقد يكون أحدهم قد مَلَّ من مشاكل الدنيا فيذهب إلى العمرة ليستريح من ذلك العناء، يذهب متفرجًا، ويقول: رمضان هناك له لذة، لا يوجد أولاد ولا مشاكل، أو يذهب إلى الحرم لكي يرى المشايخ ويجلس معهم.. هذه كلها نيات فاسدة، لماذا تذهب؟


جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، الرجل يغزو في سبيل الله يريد الأجر والذكر فما له؟، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا شيء له»، فإذا اختلطت عليك النية بإرادة وجه الله وإرادات أُخَر فسد عملك ولا شيء لك ولا أجر لك، لا بد أن تتخلص من كل النيات الفاسدة وكل الآفات المهلكة، فتنوي نية صالحة متجردة خالصة هي: الرحلة، والفرار، والهجرة إلى الله وحده.