حكم الله واجتهاد البشر

أبو محمد بن عبد الله

جاء في حديث بريدة رضي الله عنه، قَوْلَ النبي صلى الله عليه وسلم: " «وإذا حاصرْتَ أهلَ حِصنٍ فأرادوك أن تجعل لهم ذِمّة الله وذِمّة نبيّه فلا تجعلْ لهم ذمة الله وذمة رسوله، ولكن أنزلهم على ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أنْ تَخفِروا ذمتكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه، وإذا حاصرت أهلَ حصنٍ فأرادوك على حكم الله فلا تُنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أَتُصيبُ حكمَ الله فيهم أم لا» " رواه مسلم في صحيحه (1731). ومن هنا نأخذ فوائد من الضروري التأكيد عليها.
منها: أن حكم البشر ولو كانوا علماء مجتهدين، ولو كانوا صحابة فإنهم لا يحكمون بقدسية الله ولا بعصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فارق فاصل بين حكم الحاكم وفتوى المفتي في الإسلام وبين عمل القس الذي قدَّس فتواه للقيصر فألَّهه على الناس، فنفروا من دين الكنيسة، فتولّدت العلمانية؛ وهذا فرق جَوْهري بين الدولة الدينية في الإسلام والدولة الدينية الكهنوتية، التي يخشاها الناس أو يُخَوِّفونهم منها، وهي ليست هي!
ومنها: أن للبشر أن يجتهدوا فيما لا قطعية فيه من حيث النص والدلالة، ويكون حكمهم مُعتبرا شرعا، ملزما في حدود تأكد المصلحة والمفسدة فيه وكونه من جهة مُطاعة، وليس هذا من قبيل الحكم بغير ما أنزل الله، بل هو من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"؟
ومنها: أننا نقع في تشويه الدين حين نلصق به اجتهاداتنا التي قد تتغير وقد يثبت عدم صلاحيتها لزمان أو مكان ما، بل قد يثبت خطأها من الأصل ومجافاتها للإسلام الذي ننطقها بلسانه أو نفعلها باسمه..
فأربعوا على أنفسكم أيها المتهوِّكون في الفتوى والتنظير، خاصة فيما يتعلق بأمر العامة! 

8 ــ 6 ـ 2019