إنصاف شيخ الإسلام ابن تيمية للفرق المخالفة للسنة
محمد براء ياسين
كل من كان مؤمنًا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو خير من كل من كفر به
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -
يُنصِف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى الفرق الإسلامية غير السُّنِّيَّة بتقرير أنهم من أهل الإيمان - باستثناء منافقيهم وزنادقتهم -: (عامة أهل الصلاة مؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن اختلفت اعتقاداتهم في معبودهم وصفاته إلا من كان مُنافقاً يُظهرالإيمان بلسانه ويبطن الكفر بالرسول فهذا ليس بمؤمن، وكلُّ من أظهر الإسلام ولم يكن مُنافقاً؛ فهو مؤمن له من الإيمان بحسب ما أوتيه من ذلك، وهو ممن يخرج من النار ولو كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ويدخل في هذا جميع المتنازعين في الصفات والقدر على اختلاف عقائدهم. ولو كان لا يدخل الجنة إلا من يعرف الله كما يعرفه نبيه صلى الله عليه وسلم لم تدخل أمته الجنة، فإنهم -أو أكثرهم- لا يستطيعون هذه المعرفة، بل يدخلونها وتكون منازلهم متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم). (مجموع الفتاوى) (5/254-255). ونقل عنه أبو عبد الله الذهبي في (السير) (15/88) قوله : (أنا لا أكفر أحدًا من الأمة)، وقوله: (قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم). ويُبيِّن شيخ الإسلام أن المُختَلَفَ فيه مع الطوائف خفيفٌ بالنسبة للمتفق عليه: (فالمسلمون سُنِّيُّهم وبدعيُّهم متفقون على وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومتفقون على وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، ومتفقون على أن من أطاع الله ورسوله فإنه يدخل الجنة ولا يعذب، وعلى أن من لم يؤمن بأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فهو كافر، وأمثال هذه الأمور التي هي أصول الدين وقواعد الإيمان التي اتفق عليها المنتسبون إلى الإسلام والإيمان. فتنازعهم بعد هذا في بعض أحكام الوعيد أو بعض معاني بعض الأسماء أمر خفيف بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه). مجموع الفتاوى (7 / 357).
ويترحم على رؤوسهم فيقول: (وقد تأملت كلام أئمة هؤلاء الطوائف كأبي الحسين البصري ونحوه من المعتزلة وكابن الهيصم من الكرامية وكأبي الحسن نفسه والقاضي أبي بكر وأبي المعالي الجويني وأبي اسحاق الأسفراييني وأبي بكر بن فورك وأبي القاسم القشيري وأبي الحسن التميمي والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وابن الزاغوني غفر الله لهم ورحمهم أجمعين). ويقول في عبد الرحمن بن كيسان الأصم المعتزلي: (وعبد الرحمن الأصم - وإن كان معتزليًّا - فإنه من فضلاء الناس وعلمائهم، وله تفسير، ومن تلاميذه إبراهيم بن إسماعيل بن علية، ولإبراهيم مناظرات في الفقه وأصوله مع الشافعي وغيره، وفي الجملة فهؤلاء من أذكياء الناس وأحدهم أذهانا، وإذا ضلوا في مسألة لم يلزم أن يضلوا في الأمور الظاهرة التي لا تخفى على الصبيان). (منهاج السنة) (2 / 571 -571).
ويُنصِفُ عوامَّهم فيقُول: (تجدُ خلقًا من مُقلِّدة الجهميَّة يوافقهم بلسانِه، وأمَّا قلبُه فعلى الفطرة والسُّنَّة). (الانتصار لأهل الأثر) (ص84).
ويُنصف تلك الفرق ببيان محاسنهم في الدعوة للإسلام أو ردّ البدع: (وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين، من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفارًا). (مجموع الفتاوى) ( 13 / 96). ويقول في الأشعرية: (والأشعرية ما ردوه من بدع المعتزلة والرافضة والجهمية وغيرهم وبينوا ما بينوه من تناقضهم وعظَّموا الحديث والسنة ومذهب الجماعة ؛ فحصل بما قالوه من بيان تناقض أصحاب البدع الكبار وردهم ما انتفع به خلق كثير). (مجموع الفتاوى) (13 / 99 ). ويمنع تفضيل اليهود والنصارى على الرافضة ونحوهم: ( كل من كان مؤمنًا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو خير من كل من كفر به؛ وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة سواء كانت بدعة الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية أو غيرهم؛ فإن اليهود والنصارى كفار كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام، والمبتدع إذا كان يحسب أنه موافق للرسول صلى الله عليه وسلم لا مخالف له لم يكن كافرًا به؛ ولو قُدِّر أنه يكفر فليس كفره مثل كفر من كذب الرسول صلى الله عليه وسلم). (مجموع الفتاوى) (35 / 201).
وبالجملة، فكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في إنصاف الفرق المخالفة من الرافضة والجهمية والمعتزلة والأشعرية كثير. (ولعل الله تعالى أن يعفو عن كثير من الطوائف بحسن قصدهم وتعظيمهم للقرآن والسنة). (تاريخ الإسلام) ( 15 / 632).