الصبر شرط الحياة

أبو إسحاق الحويني

لا مفر للإنسان من المصائب في الدنيا مهما كان شأنه.. ولا مقر له من ركوب الصبر ليعبر به وادي الأحزان.. ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبر شرط السعادة.

  • التصنيفات: تربية النفس - الواقع المعاصر -

لقد علمت أخي أن الحياة بطبيعتها بلاء يبتلى الإنسان فيها بأنواع من المضار.. والمكروهات تستوجب منه صبرًا وثباتًا!


وفي هذا..

في هذا يشترك المؤمن والكافر .. والصغير والكبير، والغني والفقير.. والرفيع والوضيع، والذكر والأنثى.. فكل الناس مشروط بقاؤه بمدافعة منغصات الحياة.. ومكابدة صعابها .. لكن ما يميز المؤمن عن غيره : أن صبره على ما يصيبه في الحياة إنما يكون لله سبحانه .. فهو يتعبد الله بصبره على كل ضر.. كما يتعبده بالشكر على كل نعمة ، وفي مواضع كثيرة يقرر القرآن الكريم أن استخراج الصبر من المؤمن هو غاية البلاء .. وأن صبره هو شرط الفلاح والنجاح في ذلك البلاء.. ولأجل تثبيت المؤمن على الصبر ذكره الله مبينًا فضله وحاثًا عليه في أكثر من سبعين موضعًا في كتابه العزيز..

"  {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: 155].

"  {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ[محمد: 31].

فمن لم يحصن نفسه بالصبر غزته جيوش الأحزان.. وتلاعبت بسخطه.. وضجره.. فإذا هو صريع فزع قلق لا يقوى على مواجهة المضار.. ولا تحلو له بضجره وقلقه الحياة.

إن الحياة هي كما خلقها الله أول مرة.. مرض بعد عافية .. وفقر بعد غنى .. وفرقة بعد اجتماع.. وجوع بعد شبع .. وخوف بعد أمان.. لا تثبت على حال..

                                    صعبت على كدر وأنت تريدها    *  *  *     صفوًا من الأقذاء والأكدار

 


يقول ابن الجوزي: ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تكثر فيها الأمراض والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار، فآدم عانى المحن إلي أن خرج من الدنيا، ونوح بكى ثلاثمائه عام، وإبراهيم يكابد النار ، وذبح الولد، ويعقوب بكى حتى ذهب بصره، وموسى قاسى من فرعون ولقي من قومه المحن، وعيسى بن مريم لا مأوى له إلا البراري والعيش الضنك، ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، صابر الفقر، وقتل عمه حمزة ـ وهو أحب أقربائه إليه  ـ ونفور قومه عنه، وغير هؤلاء من الأنبياء والأولياء مما يطول ذكره، ولو خلقت الدنيا للذة لم يكن حظ للمؤمن منها (تسلية أهل المصائب ص 31) .

 


إذًا.. فلا مفر للإنسان من المصائب في الدنيا مهما كان شأنه.. ولا مقر له من ركوب الصبر ليعبر به وادي الأحزان.. ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبر شرط السعادة ، وعلاج الأحزان ، فقال : «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنِ جُنِّبَ الفِتَنَ ، و لَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ»


                                        اصبـــــــر لكــل مصيبـــة وتجلــد    *  *  *    واعلم بأن المرء غير مخلد


                                        أو ما ترى أن المصــــائب جمـــة    *  *  *    وترى المنية للعباد بمرصــد


                                        من لم يصب ممن ترى بمصيبـة    *  *  *    هذا سبيل لست عنه بأوحـد


                                        وإذا ذكـرت مصيبــة تسلو بهـا    *  *  *    فاذكر مصابك بالنبي محمــد

 

وهذا رسول الله صلى اله عليه وسلم يجعل الصبر شرط الإيمان، ويمتدح المؤمن الصابر في سياق التعجب من استواء حالات النعمة والمصيبة لديه فيقول : «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ـوليس ذلك لأحد إلا المؤمنـ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن» [رواه مسلم].