كيف تكون خاشعاً في صلاتك؟
عبد الفتاح آدم المقدشي
شرط المحبة أن توافق من ... تحب على محبته بلا عصيان
فإذا ادعيت له المحبة مع خلا ... فك ما يحب فأنت ذو بهتان
- التصنيفات: فقه الصلاة -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المرسلين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فاعلم – يا عبد الله رحمني الله وإياك – أن الصلاة كما هو معلوم أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وعمود الإسلام وصلة بين العبد وربه وأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة وآخر وصية النبي صلى الله عليه وسلم عند موته فلابد إذا من تعظيمها واهتمامها والحفاظ عليها بقيامها وأركانها وخشوعها بأتم الوجه كما يحب ربنا ويرضاه, أما إذا صارت بدل أن تنال منها مغفرة من الله وجنة عرضها السموات والأرض تحتاج منك أن تستغفر من إضاعتها وتلاعبها بها فهذه خيبة أمل عظيمة والعياذ بالله .
وهنا أذكر بعض الخصال تعينك على الخشوع في الصلاة كالتالي:
أولا: تذكر من تريد أن تقابله قبل أن تدخل في صلاتك بساعة وعند وضوءك, إنه خالق السموات والأرضين, إنه ملك الدنيا والآخرة , إنه الوحيد الذي يملك لك الضر والنفع , إنه الوحيد الذي يجزيك الجزاء الأوفى إن أحسنت في صلاتك في يوم أنت بأمس الحاجة إليه
ثانياً: تعظيم الله حق التعظيم وتوقيره حق التوقير وتقديره حق التقدير قال تعالى{ { {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)} } [ الح: 73-74 ] وقال تعالى{ { بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) } } [ الزمر:66- 67 ]
وقال تعالى { { مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} } [ نوح: 14 ]
ثالثا : حب الله بأكمل الحب لا حب ادِّعاء لا حقيقية له على واقع الأرض , إذ من كان حبه أعظم عندك لابد أن تستلذ بمقابلته وهو الله جل جلاله كما يتبغي أن يقتدي بهدي الحبيب صلى الله عليه وسلم.
أما الذين يستثقلون مدة الصلاة أو مدة المكوث في المسجد فإذا انتهت الصلاة ولَّو هاربين وكأنهم كانوا واقفين على جمرة ليس لهم في الحقيقة حب حقيقي كما قال تعالى في آية امتحان الحب { { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} } [ آل عمران: 31 ] جاء في نونية ابن القيم الكافية الشافية :
شرط المحبة أن توافق من ... تحب على محبته بلا عصيان
فإذا ادعيت له المحبة مع خلا ... فك ما يحب فأنت ذو بهتان
أتحب أعداء الحبيب وتدعي ... حبا له ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جاهدا أحبابه ... أين المحبة يا أخا الشيطان
رابعا: الاستحياء من الله العظيم حق الحياء فلا تجعل ربك أبداً ومن سواه سواسية فإنه الشرك بعينه , فلا أن تجعله سبحانه أهون الناظرين إليك, مثال : لو دُعي إلى أحدهم إلى مقابلة ملك من ملوك الدنيا للبس أحسن ثيابه وتنظف أحسن تنظيف وتعطر أطيب عطوره ولتفكّر ساعات وساعات بأجمل الكلام الذي سيثني به الملك فما ظنك إذا ما يستحق منك ربك وخالقك ملك الملوك وخالق السموات والأرضين قال تعالى { { قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} } [ 96- 98 ]
خامساً: أن تصلي صلاة مودع كصلاتك الأخيرة من هذه الدنيا , فعن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودع ، ولا تكلم بكلام تعتذر منه واجمع الإياس مما في أيدي الناس " .
رواه ابن ماجه ( 4171 ) . وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 401 ) .
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " «صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك وأيس مما في أيدي الناس تعش غنيا وإياك وما يعتذر منه» " .
رواه البيهقي في " الزهد الكبير " ( 2 / 210 ) . وهو صحيح بشواهده كما قاله الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1914 ).
سادسا: تذكر مقامك بين يدي الله واتعظ بيوم البعث واليوم العظيم الذي سوف يقوم الناس لرب العالمين قال تعالى { { أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} } [ المطففين:4-5-6 ]
سابعا: أن تكون من جملة المفلحين الذين يرثون جنة الفردوس الأعلى وفي مقدمتهم الخاشعون في صلاتهم كما قال تعالى { {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} } [ المؤمنون: 1 – 11 ]
ثامناً: تحقيق كمال الإحسان ومراقبة الله لتحقيق كمال العبودية لله عزَّ وجلَّ , وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم مقام الإحسان في حديث جبريل : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
تاسعاً: الغلبة على النفس الأمّارة بالسوء والشيطان الذين يريدان لك أن لا تستلذ بعبادة الرحمن ليوقعانك في جهنم وبئس المصير. لذلك لابد من نهي النفس عن الهوى مع الخوف من مقام الله فإن ذلك يورثك جنة المأوى كما قال تعالى { {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} }[ النازعات: 37 – 41 ]
عاشرا: الدعاء والاستعانة بالرب لكي يوفقك الله بحسن العبادة كما في الدعاء والذكر المشروع " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادك "
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقدشي