الأربعون المعالي في علو الهمة وقوة الإرادة من السنن الصحاح الغوالي
حمزة بن فايع الفتحي
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعنْ بالله ولا تعجِزْ »
- التصنيفات: الحديث وعلومه -
1440هـ -2019م
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه...
أما بعد :
فتُعد الهم العالية من موانح الله على عباده، بها يحيا المؤمنون وتعز أهدافهم، ويقوى دينهم، وينتصرون بها على شهواتهم وأعدائهم،قال تعالى:( {خذوا ما آتيناكم بقوة } ) سورة البقرة والأعراف.
لأنها جوهر التنافس، وميدان التسابق، الذي تمثله معالي الأمور، وأشراف المجالات . وما اتسم الأبرار بشيء مفيد رفيع بعد الإيمان، أجل من علو الهمة وقوة الإرادة، الحافزة إلى العلم وإذكاء العقل، وإصلاح الحال، وتهذيب النفس، وهزيمة الشهوة والدنايا...!
ولما كان الأمر كذلك، أدركت أن الإسلام لن يضيع ذلك، وسيضطلع الوحيان بالإيضاح والبيان، فعمَدت إلى السنة الصحيحة باحثا ومستنبطاً دلائلَ حسان، وبراهينَ أفنان، تجلّي فضل العلو الهِممي، وأسبابه وأهميته ومقوماته، والدور النبوي في العناية به وتربية التلاميذ عليه.
وأوصلتها الى (أربعين نصاً ذهبيا) مزخرفاً بالبركات، ومزركشا بالثمار اليانعات، ومقتفيا لجهد وجهاد الأئمة السابقين، الذين أثروا هذا الباب تأليفاً وترتيبا، علها تكون موعظة لراقمه وقارئه وناقده والمطلع عليه، وحرصت على عنونتها (بعنوان بارز) يلخص مضمونها، ويجلي فائدتها، ويسهل حفظها وفهمها. فكانت أربعين معاليا وعواليا، تزخر نورا، وتبزغ دررا، قد توشحت الجمال، وحازت الجلال، وظفرت بالمنال، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فقد منحنا القرآن، وهدانا للسنة، وأمتع قلوبنا بذكره، وباقتفاء الأخبار النبوية، والآثار المصطفوية، التي أنارت البصائر، وهذبت السرائر، وزينتنا بالمفاخر ...!
فهلموا لنرشف من ينبوعها، ونحتسي من ربيعها، ونشم من طيوبها وعطورها. فما أطيبَ ريحها، وما أعذب ماءها، وما ألذ جناها..!
له سننٌ كالشمس زان سطوعُها/ وحطّت على الدجال والسُخف والفُجرِ
أحاديثُ لن يأتي الزمانُ بمثلها/ تضيء جمال الكون بالحُسن والطُهرِ..!
وعلها مع الاستدامة والمذاكرة تعالج الكسل، وتشعل الهمم، وتبيت وقودا وزادا لكل منشغل أو مسوّف أو متراجع ومتكاسل، لا سيما وقد شعّت من المشكاة النبوية، وصدح بها سيد أصحاب الهمم، ومن لفظه كالدواء الشافي، والجواب الكافي، والكلم الوافي...!
والله المسؤول أن ينفعنا بها، ويبارك لنا فيها، ويجعلنا من عباده الصالحين المصلحين ، إنه جواد كريم .
محايل عسير
١/ الحديث الأول : فضل التهجير في الأمور:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( « لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَستهِموا عليه لاستهموا. ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه. ولو يعلمون ما في العَتمة والصبح لأتوهما ولو حَبوًا» ). رواه البخاري ( ٦١٥ ) ومسلم ( ٤٣٧ ) .
في الحديث: الحض على المسارعة، وشاهده لو يعلم الناس وقوله (التهجير)، والمراد به التبكير الى الصلاة، وهو مندوب في كل الفضائل والخيرات، قال تعالى:( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) .سورة آل عمران .
٢/ الحديث الثاني: علو الدنيا طريق لعلو الآخرة:
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( « يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارقَ، ورتل، كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإنّ منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها» ) رواه أبو داود ( ١٤٦٤ ) والترمذي ( ٦٧٩٩) .
فيه دليل أن علو الآخرة مرتبط بعلو الدنيا، فكلما علوت هنا وارتفعت دينيا، رفعك الله في الدرجات العلى.
3/ الحديث الثالث: تمني الهمم العالية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: ( « والذي نفسي بيده، لولا أن رجالًا من المسلمين لا تطيب أنفسهم، أن يتخلّفوا عني، ولا أجدُ ما أحملهم عليه، ما تخلّفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لودِدت أن أُقتل في سبيل الله، ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل» ) رواه البخاري(٢٧٩٧) ومسلم ( ١٨٧٦).
فيه : تمني الخيرات والحلف عليها، وتشهي الجهاد والإقدام، والموت في سبيل الله عدة مِرار، عزما وإضمارا، ولا يكون ذلك إلا لعالي الهمة .
٤/ الحديث الرابع: عمل اللحظات الصعبة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( « إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ- نخلة صغيرة- فَإنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَفْعَلْ» ) المسند(١٢٩٨١).
فيه تحبيب العمل ولو في أصعب الظروف وأنكاها، وأن الفترات الشداد لا تحول عن العمل، وأن الثواب يرتجى ولو لحظات القيامة واختلاط الناس وانشغالهم .
5/ الحديث الخامس: فضل معالي الأمور :
عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: ( إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُوِر وَأَشرَافَهَا، وَيَكَرهُ سَفْسَافَهَا ) رواه الطبراني (٢٨٢٩) .
أي الحقير منها، وفيه دليل على طلب المعالي والتباعد عن السفساف والمحقرات . وكم من محقرات صرفت الهمم، وقهرت العزمات، وجعلت الإنسان في مهب الريح بلا هدف ولا غاية ولا رسالة...!
6/ الحديث السادس: هوان الدنيا عند أصحاب الهمم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه في غزوة بدر، قال: «فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( لاَ يُقَدِّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ )، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ )، قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ؟! قَالَ: ((نَعَمْ)). قَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟! ). قَالَ: لاَ وَاللَّهِ! يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِلاَّ رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: ( فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا )، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قتل» ). رواه مسلم (١٩٠١).
فيه دليل على همة الأصحاب وسرعة استجابتهم، وهوان الدنيا في أعينهم، وتطلعهم إلى ما عند الله، وتصديق القول بالعمل، وحث القائد أصحابه على الجد والمبادرة .
7/ الحديث السابع : الأرواح الباذلة المتطلعة:
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( «اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يَستعفف يُعِفَّه الله، ومن يَستغن يُغنِه الله» ) رواه البخاري ( ١٤٢٧) ومسلم( ١٠٣٣) وهذا لفظ البخاري .
فيه دليل فضل العطاء والبذل وهو علامة علو الهمم، وكراهتها للقبض والإمساك .
8/ الحديث الثامن : قوة النفس وطلب المنافع:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( «المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعنْ بالله ولا تعجِزْ » ).
رواه مسلم( ٢٦٦٤ ). وتعجِز بالكسر من الضعف .
قال النووي رحمه الله:( والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس ، والقريحة في أمور الآخرة ، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على العدو في الجهاد ، وأسرع خروجا إليه ، وذهابا في طلبه ، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والصبر على الأذى في كل ذلك ، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى ، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات ، وأنشط طلبا لها ، ومحافظة عليها ، ونحو ذلك ).
9/ الحديث التاسع :الاستعداد القلبي والخلو من الشواغل :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( «غزا نبيٌ من الأنبياء ، فقال لقومه : لا يتبعْني رجل ملك بُضْعَ امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ،ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها ،ولا أحد اشترى غنما أو خَلِفاتٍ وهو ينتظر ولادها ،فغزا فدنا من القرية صلاةَ العصر أو قريبا من ذلك ، فقال للشمس : إنك مأمورة وأنا مأمور ،اللهم احبسها علينا ،فحُبِسَتْ حتى فتح الله عليه » ...). متفق عليه ( ٣١٢٤ ) ( ١٧٤٧ ).
قال الحافظ رحمه الله:( وفيه أن الأمور المهمة لا ينبغي أن تُفوض إلا لحازم فارغ البال لها، لأن من له تعلق ربما ضعفت عزيمته ، وقلت رغبته في الطاعة، والقلب إذا تفرق، ضعف فعل الجوارح وإذا اجتمع قوي..)
١٠/ الحديث العاشر: المرافقة النبوية:
عن ربيعة بن كعب الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: ( «كنت أبيت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سلني؟، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غيرَ ذلك ؟، قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود» ) رواه مسلم ( ٤٨٩ ) .
فيه دليل على علو السلف، وأن طلب ربيعة المرافقة في الجنة والأنس برسول الله، وليس مجرد الجنة لعلمه بمقام الأنبياء الرفيع، وفضل الصلاة وأنها سبب للعلو الأخروي ..!
11/ الحديث الحادي عشر : مدح الطامحين :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كنَّا جُلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأُنزلَت عليه سورةُ الجمعة: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ﴾ [الجمعة: 3]. قال: قلتُ: مَن هم يا رسول الله؟ فلم يُراجِعه حتى سأل ثلاثًا، وفينا سلمانُ الفارسيُّ، وضع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدَه على سلمان ثمَّ قال: ( لو كان الإيمانُ عند الثُّريَّا لناله رجالٌ - أو رجلٌ - من هؤلاء )» . رواه البخاري(٤٨٩٧) ومسلم ( ٢٥٤٦).
فيه دليل على فضل سلمان الفارسي رضي الله عنه، وأنه طامح الطرف، وتحفيز المربي لطلابه، وإظهار مواهبهم .
12/ الحديث الثاني عشر: الانبساط في الدعاء :
وقال صلى الله عليه وسلم: ( «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنة» ).رواه البخاري( ٢٧٩٠) .
فيه تربية الداعي على الطموح الأخروي، والبحث عن الأماكن العاليات، إذ فضل الله واسع، وكرمه مديد، ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )سورة غافر .
١٣/ الحديث الثالث عشر: الاستدامة الروحانية :
عَنْ عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( « أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ). قَالَ : وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ» . متفق عليه( ٥٨٦١) ( ٧٨٢) .
فيه دليل على المحافظة على العمل، وعدم الانقطاع ، إذ انقطاعها علامة ضعف وهزال .
١٤/ الحديث الرابع عشر: تشجيع الشباب :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: « كنت أرعى غنمًا لعقبة بن أبي مُعيط، فمرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال: ( يا غلام، هل من لبن )؟! قال: قلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال: ( فهل من شاة لم ينزُ عليها الفحل؟) فأتيته بشاة، فمَسح ضرعَها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب، وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: «اقلص» فقلص، قال: ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علّمني من هذا القول، قال: فمسح رأسي، وقال: «يرحمك الله، فإنك غليِّم معلم» » رواه أحمد (٣٥٩٨)، وابن حبان (٧٠٦١) .
- وعنه أيضًا قال: ( والله لقد أخذت مِن فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم ) رواه البخاري ( ٥٠٠٠) ، قال شقيق: فجلست في الحِلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادًّا يقول غير ذلك...!
فيه تشجيع الشباب واستشراف هممهم ونزوعهم للخيرات، وتحدث الرجل الحازم بهمته، وفضل الله عليه .
15/ الحديث الخامس عشر: العقيدة الذاتية:
عن أنس رضي الله عنه قال: ( «غاب عمّي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلت المشركين؛ لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين-، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنةَ وربِّ النضر، إني أجد ريحها من دون أُحد» . أخرجاه ( ٢٨٠٥) (١٩٠٣)
فيه العزم الصادق على العمل، وتحدي الضعف والكسل، وحمل النفس على المكاره.
١٦/ الحديث السادس عشر : تكلف الهمة والعمل:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( «وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» ). أخرجاه، البخاري (١٤٦٩) ومسلم (١٠٥٣).
فيه دليل على عظمة الصبر، وأنه طريق للهمة، ودفع الضعف والتكاسل، ولو أن يتكلفه المرء حتى ينتصر على معوقات الحياة والنهوض .
١٧/ الحديث السابع عشر: استثمار الأوقات :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الغداة: ( «يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملتَه عندك في الإسلام منفعَة؛ فإنِّي سمعتُ الليلة خشف نعليك بين يديَّ في الجنة! )، قال بلال: ما علمتُ عملاً في الإسلام أرجى عندي منفعَة، مِن أني لا أتطهَّر طهورًا تامًّا في ساعة مِن ليل ولا نهار، إلا صليتُ بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي » ). رواه البخاري( ١١٤٩) ومسلم ( ٢٤٥٨ ).
فيه دليل على همة بلال، واستثماره للوقت، وابتغاؤه ما عند الله، وفضل السجدات المتواليات .
18/ الحديث الثامن عشر: حفز الجماهير :
عَنْ سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ : ( «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ ). فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى، فَقَالَ : " أَيْنَ عَلِيٌّ ؟ " فَقِيلَ : يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ مَكَانَهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ : نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا ؟ فَقَالَ : " على رسلك ؟حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثم ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وأخبرهم بِمَا يَجِبُ عليهم، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْر النَّعم » ).
فيه دليل على العلاء السلفي وطموحهم للوصف الرائق العجيب، وأن أسمى المراتب، مما يتوقه الراغب والسامع، وتسابق الجادين في مرضاة الله .
١٩/ الحديث التاسع عشر: إيثار الباقي على الزائل:
عَنْ أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ : ( « إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زهرة الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ ). فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ : فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا، وَأُمَّهَاتِنَا. فَعَجِبْنَا لَهُ» ،...! البخاري(3904)مسلم (2382 ).
قال ابن القيم رحمه الله : انظر إلى همة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فأباها .
ومعلوم أنه لو أخذها لأنفقها في طاعة ربه تعالى ...
٢٠/ الحديث العشرون : الصدق الجازم :
عَنْ شداد بن الهادِ رضي الله عنه ، «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، وفيه لما قسم له قال: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ : ( إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ ) فجئ به كما قال.. فقال رسول الله: ( صدقَ الله فصدَقه )» أخرجه النسائي ( ١٩٥٣).
فيه فضل الصدق، وابتغاء ما عند الله، واستعداد الهمم العاليات للتضحية كهذا الصحابي الجليل .
21/ الحديث الواحد والعشرون: الخصال العالية:
عن عبدالله بن عمرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( «أَرْبَعُونَ خَصْلَةً، أَعْلَاهُنَّ مَنيحةُ الْعَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ ). قَالَ حَسَّانُ احد رواة الحديث : فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَنَحْوِهِ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً» .
فيه تفاوت الخصال الخيرية فضلا وثوابا، وأن تطلّبها موضعُ أرباب الهمم والعزائم ، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم..!
23/ الحديث الثاني والعشرون: المبادرة بالأعمال :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( «بادِروا بالأعمالِ الصَّالِحة، فستكونُ فِتنٌ كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبح الرجلُ مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، أو يُمسي مؤمنًا ويُصبِح كافرًا، يَبيع دِينَه بعَرَضٍ مِن الدُّنيا» ) رواه مسلم (١١٨).
فيه فضل المبادرة، وأنها جوهر الهمة والانطلاق التنافسي والإنقاذي للمرء من تعاسات الحياة وغفلاتها وفتنها..!
22/ الحديث الثالث والعشرون : تنويع العمل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «( مَن أصبحَ مِنكُم اليومَ صائمًا )؟ قال أبو بَكرٍ: أنا، قال: ( فمَن تَبِع مِنكم اليومَ جنازةً؟ )، قال أبو بكرٍ: أنا، قال: ( فمَن أَطْعَم منكم اليومَ مِسكينًا؟ )، قال أبو بكر: أنا، قال: ( فمَن عادَ مِنكم اليومَ مريضًا؟ )، قال أبو بكر رضي الله عنه: أَنا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ( ما اجْتمَعْنَ في امرئٍ إلاَّ دخَل الجَنَّةَ )» ؛ أخرجه مسلم( ١٠٢٨) .
فيه تشجيع القائد أصحابه، واستشرافه هممهم، ومكرمة لأبي بكر رضي الله عنه، ومسارعته في الخيرات، وأن علو الهمة في الخيرات سبب ونافذة إلى الجنة .
24/ الحديث الرابع والعشرون : تنافس أهل الإيمان:
عَنْ عمربن الخطاب رضي اللَّهُ عَنْهُ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال يا أبا بكر: ما أبقيت لأهلك؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا» . أبو داود (١٦٧٨).
فيه فضل التنافس بين أهل الجد والفضل، ( {وفِي ذلك فليتنافس المتنافسون} ) سورة المطففين. وفضل أبي بكر وفقهه الشرعي في المسابقة.
25/ الحديث الخامس والعشرون : المغانم المضيّعة:
عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال : قالَ رَسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لرجلٍ وهو يَعِظه: ( «اغتنمْ خمسًا قبلَ خمس: شبابَك قبلَ هرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقمِك، وغِناك قبلَ فَقْرِك، وفراغَك قبلَ شُغلِك، وحياتَك قبلَ موتِك » ) أخرجه الحاكم (٧٨٤٦ ) وصححه، وحسنه الحافظ العراقي في الإحياء .
فيه الحرص على المغانم، ومبادرة النعم كالوقت والصحة والشباب، التي ضيعها بعض الناس .
26/ الحديث السادس والعشرون: ترك التسويف:
عَنْ عُقْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: «صَلَّيْتُ وَرَاءَ النًّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، بِالْمَدِينَةِ ، الْعَصْرَ ، فَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا ، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ ، فَقَالَ :( ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ -ذهب- عِنْدَنَا ، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي ، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ » ) . أخرجه أحمد (١٦٢٥١) والبُخَارِي (٨٥١) .
فيه عدم تأخير الفضائل، والخروج من العبادة الفاضلة لأخرى لا تقبل الانتظار ، وهوان الدنيا في نظر المؤمن العاقل .
27/ الحديث السابع والعشرون: سلاح الدعاء:
عَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ ، فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ ، أَسْأَلُكَ حُبَّكَ ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّهَا حَقٌّ ، فَادْرُسُوهَا ، ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا» ) .أخرجه أحمد (٢٢٤٦٠) والتِّرمِذي(٣٢٣٥).
فيه فضل الدعاء، وأنه مادة التوفيق والانتصار على النفس وكسلها وجبنها وتراجعها عن الفضائل .
28/ الحديث الثامن والعشرون: الأسئلة السامية :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ: «قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَىُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : ( الإِيمَانُ بِاللهِ ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ) ، قَالَ : قُلْتُ : أَىُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : ( أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا )، قَالَ : قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ ؟ قَالَ : ( تُعِينُ صَانِعًا ، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ )، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ ؟ قَالَ : ( تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ)» . رواه البُخاري (٢٥١٨) ومسلم(١٦٣) .
في الحديث: السمو في السؤال واستنشاد أفضل الأعمال وخيرها، وعدم الرضا بالقليل، وملء الوقت بما ينفع ويعين .
29/ الحديث التاسع والعشرون: طموح المؤمن:
عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « ( يَدْخُلُ الجنة مِنْ أُمَّتِي زمرة، هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ ). فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ يَرْفَعُ نمِرةً عَلَيْهِ، قَالَ : ادْعُ اللَّهَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ". ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ "» .
البخاري( ٥٧٥٢) ومسلم ( ٢١٦).
فيه تباين مراتب أهل الجنة، واشتياق الصالحين لها، واستشراف عُكاشة رضي الله عنه لها بطلب التوفيق لها، وأن يكون منهم .
٣٠/ الحديث الثلاثون: العطاء الباذخ:
عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «( سَبَقَ دِرْهَمٌ، مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ). قَالُوا : وَكَيْفَ ؟ قَالَ : " كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرض مَالِهِ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَتَصَدَّقَ بِهَا ) » «» . النسائي وهو حسن ( ٢٥٢٧).
فيه: فضل الهمة في الصدقة وحسن المقصد، وأن من يعطي النصف خير ممن يأخذ من طرف ماله، أو كان غيره سببا في بذله، أو أعطى بغير نية وصدق، والله المستعان .
٣١/ الحديث الواحد والثلاثون: جهاد القائد:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: « إنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطّر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ( أفلا أكون عبدًا شكورًا )» رواه الشيخان ( ١١٣٠)( ٢٨١٩).
فيه فضل المجاهدة في العبادة، ومكابدة الطاعات، وأن للقادة أوراداً وقربات تزودهم وتمكنهم من القيادة، وتجعلهم شامةً في الناس .
32/ الحديث الثاني والثلاثون : التزود الروحي على كل حال :
عَنْ عائشة ، قَالَتْ : ( « كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» ) . رواه مسلم ( ٣٧٣) .
فيه فضل التهمم الإيماني، وأن الأنسام الخيرية لا غنى للمؤمن عنها، وعلو همة رسول الله في اغتنام الأوقات، وأننا مسؤولون عن اللحظات والساعات .
33/ الحديث الثالث والثلاثون : الطاقات المعطّلة:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( «نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحةُ والفراغ» ) رواه البخاري( ٦٤١٢).
فيه بيان أهمية النعم المعطلة، وأن منها ما هو مقدمات وأجنحة للهمم العاليات لو فُعّلت، واشتعلت بها الهموم والرغبات، وقد قالوا: إضاعة الوقت من علامة المقت .
٣٤/ الحديث الرابع والثلاثون: وعورة الطريق :
عَنْ أنس بن مالك رضي الله عنه، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» ).أخرجاه(٦٤٨٧) . ومسلم( ٢٨٢٢).
قال الحافظ : ( وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس، والحض على الطاعات وإن كرهتها النفوس وشق عليها،.)
وهو دليل على أن المتهمم العالي الهدف ، عليه أن يتحمل وعورة الطريق وانجذاب النفوس إلى الشهوات ، وأن يشعل عملية المجاهدة الرائدة في رفض المتع الشاغلة عن أشراف الأمور، وأن النعيم لا يجنى بالنعيم ..!
35/ الحديث الخامس والثلاثون: الهمم الزمانية:
عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: « كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر» . متفق عليه( ٢٠٢٤)( ١١٧٤).
فيه دليل على فضل العمل في المواسم المباركة، وأن الهمم تتضاعف في أيام مخصوصة، وأن شامخ الهمة يتفاعل مع الظروف والأزمنة والفرص التي قد لا تتكرر..!
36/ الحديث السادس والعشرون: الرباط الجاد الثمين :
عَنْ أبي هريرة أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( « أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ " قَالُوا : بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرباط » ). مسلم(251)
وفِي رواية كررها ثلاثا.
فيه بيان الهمة في الطاعات، والمرابطة على الأعمال الصالحات، وأن مثلها رباط إيماني عال، يزكي النفوس، ويعلي الدرجات، نسأل الله من فضله .
37/ الحديث السابع والثلاثون : المواظبة الحثيثة:
عَن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : «كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ، أَوْ قُلْتُ لَهُ : لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ : مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ» ). أخرجه مسلم .(٦٦٣).
فيه طموح وعلاء، وصبر ورجاء، وتضحية واحتساب .
38/ الحديث الثامن والثلاثون: الاستجابة الناجزة:
عن أَنَس رضي الله عنه قال : لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} } . «قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "بخ بخ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ» ،.. أخرجاه .( ١٤٦١) ( ٩٩٨ ).
فيه منقبة لأبي طلحة وتفاعله المثير مع النص القرآني، ومسارعته بذلا وهمةً في نيل المعالي وبلوغ مرضاة الله تعالى، وأن هذا ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن الصادق ، و(بخ بخ) كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير .
٣٩/ الحديث التاسع والثلاثون: تهيّب المؤمن واستعداده :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( «مَنْ خَافَ أدلج – سار أول الليل- وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ- أي المطلب- أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ» ) رواه الترمذي وهو صحيح( ٢٤٥٠) .
قال الطيبي رحمه الله : ( هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لسالك الآخرة، فإن الشيطان على طريقه، والنفس وأمانيه الكاذبة أعوانه ، فإن تيقظ في مسيره وأخلص النية في عمله، أمِن من الشيطان وكيده ، ومن قطع الطريق بأعوانه ثم أرشد إلى أن سلوك طريق الآخرة صعب ، وتحصيل الآخرة متعسر لا يحصل بأدنى سعي..) .
40/ الحديث الأربعون : الاستعاذة من الكسل:
عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أَسْمَعُهُ صلى الله عليه وسلم كَثِيرًا يَقُولُ : ( « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ » ). رواه البخاري(٢٨٩٣).
فيه دليل على استحباب الاستعاذة من الكسل وأخواته، التي هي قيود حائلة دون الهمة والجد والانطلاق والمثابرة، وما بُلي الشباب في زماننا ببلاء كالكسل الذي كبّل نشاطهم، وعطل عقولهم، وقيّد هممهم، وحط بهم في السفال والضعة والبهيمية، والله المستعان .
وتمت أربعونَ في ذي الهممِ...معالمٌ للعاقل الملتزمِ
فخذها بالحفظ والامتثالِ... بدون تسويف ولا إهمالِ
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات