معركة بلق

راغب السرجاني

قاتل المسلمون فيها قتال المستميت، فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك، فكان لحمية المسلمين في هذه الموقعة وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية.

  • التصنيفات: التاريخ والقصص - التاريخ الإسلامي -

وكان جنوب دولة خوارزم تحت سيطرة رجل اسمه جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه ابن الزعيم الخوارزمي الكبير محمد بن خوارزم.
وجنوب دولة خوارزم كان يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان، وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند، وكان جلال الدين زعيم الجنوب يتخذ مدينة غزنة مقراً له، وهي في أفغانستان الآن، وتقع على بعد 150 كيلو متر جنوب مدينة كابل، وكانت مدينة حصينة جداً حيث تقع في وسط جبال باروبا ميزوس الأفغانية.


ولما انتهى جنكيز خان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد محمد بن خوارزم شاه وأسقط دولته بهذا الشكل البشع بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها، فقد كان يريد أن يحتل كل دولة خوارزم الكبرى، وينتهي من أمر جلال الدين الذي ورث الحكم بعد أبيه محمد بن خوارزم شاه،

فوجه جنكيز خان إلى غزنة جيشاً كثيفاً جداً من التتار، وكانت أخبار الاجتياح التتري الرهيب لمناطق الشمال والوسط من الدولة الخوارزمية قد بلغت جلال الدين، وبلغه ما حدث لأبيه وكيف مات في جزيرة في بحر قزوين، وأنه قد أصبح الزعيم الشرعي للبلاد، فبدأ يُعد العدة لقتال التتار، فجمع جيشاً كبيراً من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين واسمه سيف الدين بغراق،

وكان هذا الملك شجاعاً مقداماً، صاحب رأي ومكيدة وحرب، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل، ثم انضم إليه ستون ألف مقاتل من الجنود الخوارزمية التي استطاعت أن تفر من المدن الإسلامية الكثيرة التي احتلها التتار، ثم انضم إليه أيضاً ملك خان، وهو أمير مدينة هراة الذي هرب منها بفرقة من جيشه، فبلغ جيش جلال الدين عدداً كبيراً جداً، ولا يعرف عدده بالضبط،

ولكن كان عدد جيش سيف الدين بغراق تسعين ألفاً، غير جيش هراة، وغير جيش جلال الدين نفسه الذي هو جيش أفغانستان، فخرج جلال الدين بهذا الجيش الكبير إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى بلق، وكانت منطقة وعرة جداً وسط الجبال العظيمة، وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، فجاء جيش التتار، ودارت بين قوات جلال الدين المتحدة وقوات التتار معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة،

وقاتل المسلمون فيها قتال المستميت، فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك، فكان لحمية المسلمين في هذه الموقعة وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية، وكثرة أعداد المسلمين وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق والقيادة الميدانية لـ جلال الدين أثراً واضحاً في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار،

واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام ثم أنزل الله عز وجل نصره على المسلمين، فانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين، وكثر فيهم القتل وفر الباقون منهم إلى ملكهم جنكيز خان، وكان جنكيز خان في ذلك الوقت قد ترك سمرقند وتمركز في منطقة تعرف بالطالقان شمال شرق أفغانستان؛ ليكون قريباً من الأحداث.


وبعد هذه الموقعة ارتفعت معنويات المسلمين جداً، فقد كان وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يُهزمون، ولكن اتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة آتى ثماره، فقد اتحدت في هذه الموقعة جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش أبيه محمد بن خوارزم مع الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق مع ملك خان أمير هراة، واختاروا مكاناً مناسباً وأخذوا بالأسباب المتاحة فكان النصر.