القول الثالث (الحنفية)

حسام الدين عفانه

الحنفية اختلفت الروايات في مذهبهم في حكم العقيقة والذي تحصَّل لي بعد البحث ثلاثة أقوال لهم هي:

  • التصنيفات: العقيقة وأحكام المولود -
القول الثالث (الحنفية)

للحنفية وقد اختلفت الروايات في مذهبهم في حكم العقيقة والذي تحصَّل لي بعد البحث ثلاثة أقوال لهم هي:


أ. أنها تطوع من شاء فعلها ومن شاء تركها، قاله الطحاوي في مختصره وابن عابدين في العقود الدرية، ونقله الشيخ نظام عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وهذا موافق لقول الجمهور بشكل عام.
ب. أنها مباحة قاله المنبجي ونقله ابن عابدين عن جامع المحبوبي.
جـ. أنها منسوخة يكره فعلها وهو منقول عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة حيث قال: (أما العقيقة فبلغنا أنها كانت في الجاهلية وقد فعلت في أول الإسلام ثم نسخ الأضحى كل ذبح كان قبله).
وقال الخوارزمي الكرلاني: (كان في الجاهلية ذبائح يذبحونها منها العقيقة ومنها الرجبية ... وكلها منسوخ بالأضحية).
والقول بالنسخ هو المذهب عند الحنفية قال التهانوي: نص الروايات ظاهر في أن مذهب أبي حنيفة هو أن العقيقة منسوخة وغير مشروعة، وما نقله الشامي

 أي ابن عابدين - عن جامع المحبوبي أنها مباحة وشرح الطحاوي أنها مستحبة ليس بنقل للمذهب، بل هو رأي منهما رأياه لما ورد في ذلك من الأخبار.
وأما ما نسب لأبي حنيفة أن العقيقة بدعة كما نقله العراقي وغيره فهو مردود وباطل.
قال العيني: هذا افتراء فلا يجوز نسبته إلى أبي حنيفة وحاشاه أن يقول مثل هذا، وإنما قال ليست سنة، فمراده إما ليست سنة ثابتة، وإما ليست سنة مؤكدة.
وقد تطاول ابن حزم على أبي حنيفة وتعدّى عليه فقال: ولم يعرف أبو حنيفة العقيقة فكان ماذا؟ ليت شعري إذ لم يعرفها أبو حنيفة ما هذا بنكرة فطالما لم يعرف السنن.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: وجعلها أبو حنيفة من أمر الجاهلية وذلك لقلة علمه ومعرفته بالأخبار.
وسامح الله الشيخ ابن قدامة فما كان ينبغي أن يصدر هذا الكلام منه في حق أبي حنيفة، وأقول كلٌ يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول ابن حزم وابن قدامة في حق أبي حنيفة ينبغي تركه.

وليت ابن حزم وابن قدامة رحمهما الله تعالى التمسا عذراً لأبي حنيفة رحمه الله لكان أولى من هذا اللمز.
ولقد أحسن الشوكاني إذ قال: وحكى صاحب البحر عن أبي حنيفة أن العقيقة جاهلية محاها الإسلام وهذا إن صح حمل على أنها لم تبلغه الأحاديث الواردة في ذلك، وهكذا ينبغي أن نحسن الظن بعلمائنا فهم أتقى وأورع من أن يتعمدوا مخالفة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال التهانوي: وعلى هذا فلا يصح إيراد ابن حزم على أبي حنيفة، وكل ما ذكره ردٌ عليه فافهم، وفي البدائع في باب اشتراك سبعة في بدنة الأضحية ما نصه: ولو أرادوا القربة بالأضحية أو غيرها من القرب أجزأهم، سواء كانت واجبة أو تطوعاً، لأن المقصود من الكل التقرب إلى الله تعالى، وكذلك إن أراد بعضهم العقيقة عن ولدٍ وُلد له من قبل، لأن ذلك جهة التقرب إلى الله عز شأنه بالشكر على ما أنعم عليه من الولد.

كذا ذكره محمد رحمه الله في نوادر الضحايا، ولم يذكر الوليمة، وينبغي أن يجوز، لأنها إنما تقام شكراً لله تعالى على نعمة النكاح، وقد وردت السنة بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أولم ولو بشاة»  فإذا قصد بها الشكر وإقامة السنة فقد أراد بها التقرب إلى الله عز وجل. أ. هـ ملخصاً. وهو صريح في كون العقيقة قربة كالوليمة، فمن عزا إلى أبي حنيفة أنه قال: هي بدعة لا يلتفت إليه، نعم أنكر أبو حنيفة كونها إراقة دم

 

بالشرع تعبداً كالأضحية، ولم ينكر كونها قربة بقصد الشكر على نعمة الولد فإنها تكون إذاً كالوليمة تقام شكراً لله تعالى على نعمة النكاح، فافهم.
وينبغي أن يعلم أن الذي عليه العمل عند الحنفية الآن هو استحباب العقيقة قال التهانوي: وليعلم أن عمل الحنفية اليوم على استحبابها عملاً بما في شرح الطحاوي والأمر واسع لما فيه من الاختلاف، فتدبر.
وقال أيضاً: هذا وإنما أخذ أصحابنا الحنفية في ذلك بقول الجمهور وقالوا باستحباب العقيقة لما قال ابن المنذر وغيره: إن الدليل عليه الأخبار الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة والتابعين بعده، قالوا: وهو أمر معمول به في الحجاز قديماً وحديثاً. قال: وذكر مالك في الموطأ: أنه الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم قال: وقال يحيى بن سعيد الأنصاري التابعي، أدركت الناس وما يدعون العقيقة عن الغلام والجارية. وممن كان يرى العقيقة ابن عمر وابن عباس وعائشة وبريدة الأسلمي والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعطاء والزهري وآخرون من أهل العلم يكثر عددهم قال: وانتشر عمل ذلك في عامة بلدان المسلمين أ. هـ شرح المهذب ملخصاً ، فزعموا أن الأمر كان مختلفاً فيه بين الصحابة والتابعين ثم اتفق جمهور العلماء وعامة المسلمين على استحبابه، فأخذوا به وأفتوا بالاستحباب، ووافقوا الجمهور، وإن كان قول الإمام قوياً من حيث الدليل كما ذكرنا، ولكن خلافه هو القول المنصور والله تعالى أعلم بما في الصدور.

ــــــــــــــــــــــ الأدلة ــــــــــــــــــــــــ

 واحتج الحنفية بما يلي:
أولاً: بالنسبة للقول الأول عند الحنفية وهو استحباب العقيقة فأدلتهم عليه هي أدلة الجمهور السابقة.
ثانياً: بالنسبة للقول بأنها مباحة فاحتجوا عليه بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده السابق، وفيه: (من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فلينسك ... الخ) وهو يفيد الإباحة كما قالوا.


ثالثاً: وأما قولهم بأنها منسوخة فدليلهم ما ذكره الكاساني: وإنما عرفنا انتساخ هذه الدماء بما روي عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (نسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله، ونسخت الأضحية كل دم كان قبلها، ونسخ غسل الجنابة كل غسل كان قبله) والظاهر أنها قالت ذلك سماعاً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن انتساخ الحكم مما لا يدرك بالاجتهاد.


واحتجوا أيضاً بما رواه أبو يوسف في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال: كانت العقيقة في الجاهلية فلما جاء الإسلام رفضت.
وبما رواه أبو يوسف أيضاً عن أبي حنيفة عن رجل عن محمد بن الحنفية: أن العقيقة كانت في الجاهلية فلما جاء الأضحى رفضت.
قال التهانوي: وحجة المانعين هو ما روي عن إبراهيم ومحمد بن الحنفية أنها رفضت في الإسلام، وما روي من الأخبار لا ترد عليهما، لأنهما لا ينكران المشروعية أصلاً، بل يقولان بالمشروعية في الجملة، ولكنهما يدعيان أنها رفعت، فعندهما زيادة علم ليس عند من يجوزها، وهما إمامان لا يقولان جزاف فيكون قولهما حجة لأن حجة المجوزين عدم وقوفهم على الناسخ،
وحجتهما الاطلاع عليه، وباليقين قول من يدعي العلم حجة دون من ينكره. فإن قلت: في رواية ابن الحنفية رجل مبهم، قلنا: هذا الإبهام ليس بمضر، لأن الراوي عنه صاحب المذهب وهو أعرف به.
واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده السابق وفيه: (سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة، فقال: لا يحب الله العقوق).
واحتجوا أيضاً بحديث أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لما ولدت فاطمة حسناً، قالت: ألا أعق عن ابني بدم؟ قال: لا، ولكن احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين والأوفاض. ففعلت ذلك فلما ولد حسيناً فعلت مثل ذلك) وفي رواية أخرى قال عليه السلام: (لا تعقي عنه) رواه الإمام أحمد وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير وهو حديث حسن.
وقال الساعاتي: وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، فيه لين وله شواهد تعضده ولعل الحافظ الهيثمي حسنه لذلك.
وأما ما احتج به الحنفية على قولهم من جهة النظر [فإن إراقة الدم بمجردها لم تعهد قربة إلا حيث ورد بها النص لا غير، وإذا تعارضت النصوص في كونها مشروعة في العقيقة أو منسوخة وباليقين ندري أنه كان في الإسلام إراقات قد نسخت فيما بعد، كالفرع والعتيرة ونحوها، كان الترجيح لما يدل على كونها منسوخة، لأنها لو كانت مشروعة لكانت مستحبة لا غير، ولو كانت منسوخة كانت بدعة في الإسلام، وإذا دار الأمر بين الاستحباب والابتداع والإباحة والحظر ترجح الحاظر على المبيح، وإذا تعارض المحرم والمبيح وجهل التاريخ يجعل المحرم متأخراً كيلا يلزم النسخ مرتين، ومعنى قوله: (محا ذبحُ الأضاحي كل ذبحٍ كان قبله) أي محا وجوبه كل ذبح قبله، فلا يرد علينا كون الأضحية قد شرعت في السنة الثانية، وعقيقة الحسن والحسين في الثالثة، أو الخامسة وسماع أم كرز حديث العقيقة في الحديبية في السنة السادسة، لأنا نقول: كانت الأضحية إذ ذاك مشروعة لا واجبة، ثم وجبت بعد ذلك عند فرض الحج، فمحا وجوبها كل ذبح كان قبله ولأجل ذلك لم يعق النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ابنه إبراهيم رضي الله عنه بدليل أنه سماه ليلة ولد ولو كان قد عق عنه لسماه في اليوم السابع.

ردُّ الحنفية على أدلة الجمهور:
أجاب التهانوي من الحنفية عن الأحاديث الواردة في العقيقة عن الحسن والحسين - سبق ذكرها - بقوله: والجواب عنه أن رواية العقيقة عنهما مضطربة لأنه روى الحاكم من طريق محمد بن عمر واليافعي عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: عق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن والحسين يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى، وقال: صحيح الإسناد.

وأقره الذهبي عليه، وتبعه ابن حجر في الفتح وهو عجيب منهما، فإن محمد ابن عمرو اليافعي، قال ابن القطان: لم تثبت عدالته، وذكره الساجي في الضعفاء، وقال ابن عدي: له مناكير، وقال ابن معين: غيره أقوى منه، كذا في التهذيب.


قال العبد الضعيف: هو من رجال مسلم والنسائي قال الذهبي: ما علمت أحداً ضعفه وذكره ابن حبان في ثقاته وقول ابن القطان: لم تثبت عدالته، وقول ابن عدي: له مناكير، وقول ابن معين: غيره أقوى منه ليس من الجرح في شيء لما في المقدمة، قال: فالرواية ضعيفة وليست بصحيحة. قلت: كلا بل هي صحيحة على شرط مسلم،. قال: ولو سلم فيحتمل أن يكون مراد عائشة من العقيقة حلق الشعر والتصدق بالفضة كما في رواية أبي رافع: لا إهراق الدم.
وأخرج الحاكم أيضاً عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد ابن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: عق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسين بشاة وقال: يا فاطمة! احلقي رأسه تصدقي بزنة شعره فوزناه فكان درهماً. ولكنه اختلف فيه على محمد بن إسحاق لأن الحاكم رواه عن عبيد عن محمد بن إسحاق ... عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي متصلاً رواه الترمذي عن عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن علي عن علي مرسلاً ثم محمد بن إسحاق مع ما فيه من الكلام مدلس يدلس عن الساقطين، وقد عنعن في الرواية فلا تقبل عنعنته ثم هو تفرد بزيادة قوله: (عق عن الحسين بشاة) ولم يروه علي بن الحسين عن أبي رافع ولا محمد بن علي عند سعيد بن منصور ثم لو كان عن علي بن الحسين رواية عن أبيه عن جده لم يحتج إلى ما رواه عن أبي رافع فهذه أمور تدل على أن رواية محمد بن إسحاق ساقطة فلا يعارض رواية أبي رافع ولا يقوي رواية عائشة، قال: قلت: أخرج الحاكم في فضائل الحسين من طريق حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر فاطمة فقال: «زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رِجل العقيقة» وقال: صحيح الإسناد.
قلت: تعقبه الذهبي في التلخيص وقال: لا. قلت: وكذا لا يصح ما روى أبو داود في المراسيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين أن يبعثوا إلى القابلة برِجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظماً» لأن المرسل لا يعارض المسند الذي رواه علي بن الحسين عن أبي رافع ولم أقف على من رواه عن جعفر، فليحقق.
فإن قلت: يعضده ما رواه أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً وإسناده صحيح.
قلنا: يعارضه ما رواه النسائي عن عكرمة عن ابن عباس (أنه - صلى الله عليه وسلم - عق عنهما كبشين كبشين) وسنده أيضاً صحيح فإذا تعارضا تساقطا فلا يصلح للتأييد.
وقال في الجوهر النقي: قد اضطرب فيه على عكرمة من وجهين أن أبا حاتم قال: روى عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً وهو الأصح.
والثاني: أن النسائي أخرج من حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عق عن الحسن والحسين بكبشين كبشين. الجوهر النقي 2/ 223.
ورجح ابن حجر في الفتح 9/ 511 روايةً بما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه عق عنهما بكبشين كبشين.

قلت: أخرجه الحاكم وسكت عنه وتعقبه الذهبي فقال: سوار ضعيف وإن كان روايته تؤيد رواية كبشين فرواية ابن إسحاق تؤيد رواية الكبش فلا ترجيح وقال ابن أبي حاتم في العلل 2/ 49: سألت أبي عن حديث رواه عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشين (أي كبشاً للحسن وكبشاً للحسين) قال أبي: هذا وهم حدثنا أبو معمر وعن عبد الوارث هكذا ورواه وهب وابن علية عن أيوب عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً قال أبي: وهذا أصح. وقال أيضاً: سألت أبي عن حديث رواه المحاربي عن يحيى بن سعيد عن عكرمة عن ابن عباس أن الحسن والحسين عق عنهما. قال أبي: هذا خطأ إنما هو عن عكرمة. قوله: من حديث يحيى ابن سعيد الأنصاري. قلت: كذا حدثنا الأشج عن أبي خالد الأحمر عن يحيى عن عكرمة أن حسناً وحسيناً عق عنهما. قال أبي: لم تصح رواية يحيى بن سعيد عن عكرمة فإنه لا يرضى عكرمة فكيف يروي عنه؟ وقال أيضاً: سألت أبي عن حديث رواه ابن وهب عن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس قال: (عق رسول الله عن الحسن والحسين بكبشين). قال أبي: أخطأ جرير في هذا الحديث إنما هو قتادة عن عكرمة قال: عق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرسل أ. هـ. ويظهر منه اضطرابان آخران: الأول أنه روى يحيى بن سعيد عن عكرمة أنه - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين بدون قوله: كبشاً أو كبشين. وقال أيوب: كبشاً كبشاً وقال قتادة: كبشين كبشين. والآخر أنه روى جرير عن قتادة عن أنس وغيره عن قتادة عن عكرمة. فالحديث لا يصلح أن يكون معارضاً لما رواه أبو رافع. قال ابن حزم بعد سرد طرقه: واختلاف الرواة في إرساله ورفعه وفي الغلام شاتان وعن الجارية شاة). والأول: يدل على أنها سمعته يقول في الحديبية، ولم تكن سألته والثاني: يدل على أنها سألته، والثالث: لا يدل على واحد منهما. قال والذي يترجح أن رواية سفيان وابن جريج وهم، والصحيح ما رواه حماد بن زيد، لأنه لو وقع هذا السؤال والجواب في الحديبية لروي عن غير واحد من الصحابة، لأنهم كانوا مجتمعين فيها، فتفرد أم كرز بالرواية يدل على أن هذا ليس من قصة الحديبية، ثم إذا نظرنا أن الحديبية لم تكن محلاً لهذه المسألة. ولا كان أهم لأم كرز السؤال عن العقيقة من سائر أمور الدين.

لأنهم قالوا: إنها أسلمت في الحديبية يزداد هذا الظن قوة ثم إذا رأينا الحاكم قد روى عن عبد المالك بن عطاء عن أم كرز وأبي كرز أنها نذرت امرأة من آل عبد الرحمن بن أبي بكر إن ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزوراً فقالت عائشة: لا، بل السنة أفضل: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، الحديث. ويحصل لهذا الظن مزيد قوة أنها لم تسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - بل سمعت من عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسلت في الرواية وروت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه عنها حماد بن زيد. يؤيده أيضاً أن أكثر الروايات عنها بالعنعنة لا بالسماع والسؤال، وذكر الحديبية لم يقع إلا في حديث سفيان ولأجل هذه الأمور لم يخرج الشيخان هذه الرواية في صحيحهما فلا يرد الاعتراض لهذا الحديث على حديث أبي رافع.
وردَّ الشيخ ظفر التهانوي على الكلام السابق بقوله: قال العبد الضعيف: وهذا ليس من الاضطراب في شيء، وأي بعد في أن يكون ذهبت لطلب اللحم

 

وسألته عن العقيقة أيضاً: وقولها: فسمعته يقول: عن الغلام شاتان إلخ أي بعد أن سئل عن العقيقة.
وقال الشيخ ظفر التهانوي ردَّاً على ما سبق: قال العبد الضعيف: عدم إخراجهما شيئاً لا يدل على ضعفه، وقوله: إن الحديبية ليست محلاً لهذه المسألة ولا كانت مما يهم أم كرز فكله كلام لا طائل تحته، ولا يعل بمثله الأحاديث. والذي روته أم كرز عن عائشة من إنكارها نحر الجزور في العقيقة غير ما روته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يكون ذلك دليلاً على الإرسال كما ادعاه، واضطراب السند مرتفع بما في حديث حماد بن زيد من التصريح بسماع عبيد الله بن أبي يزيد من سباع وبسماع سباع من أم كرز، فيكون ما سوى ذلك من المزيد في الإسناد فالأولى أن يقال: إن العقيقة بإراقة الدم كانت مشروعة إلى زمن الحديبية ثم نسخت بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعق عن ابنه إبراهيم ولو كانت واجبةً أو سنةً لعق عنه، فإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظ).
وقالوا أيضاً في الجواب عن العقيقة عن إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم -: [وأما عقيقة إبراهيم فهو قول الزبير بن بكار، ولم يذكر له سنداً. فكيف يجوز الاحتجاج بالقول الذي لا سند له، ولو كان عقيقة إبراهيم ثابتاً لروي بالأسانيد الصحيحة كما رويت أحاديث الوليمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدل ذلك أنه ليس بثابت. وصرح الحافظ في الفتح بأنه لم ينقل أحد أنه عق عنه 9/ 507 وإذا كان كذلك فهو حجة لنا. لأنه لو لم ينتسخ العقيقة لكن إبراهيم أحق بالعقيقة من غيره، ومما يرد قول الزبير أنه قال: سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومه السابع. وقد روى ابن عبدالبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سماه إبراهيم ليلة ولد وقال: الحديث المرفوع أولى من قول الزبير. وأسنده الطحاوي في مشكله عن ثابت البناني عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ولد لي الليلة غلام، فسميته بأبي إبراهيم» 1/ 454 رجاله كلهم ثقات وهو متفق عليه. فدل ذلك أن قول الزبير جزاف ولا يلتفت إليه.
وأجاب الحنفية على تضعيف الجمهور لحديث علي (محا ذبح الأضاحي كل ذبح قبله) بأن حديث علي مروي من طريقين، وإن كان كل واحد منهما ضعيف بانفراده إلا أن بمجموعهما يحصل له قوة، وإن لم تصل تلك القوة إلى حد يصح به الاحتجاج، فلا أقل من أن يحصل له قوة يصلح به للاستشهاد وتقوية حديث أبي رافع. ثم قال ابن حجر في الدراية: إنه ضعيف، فإن عبدالرزاق أخرجه موقوفاً وهذا يدل على أن الضعيف رفعه، وأما الموقوف فصحيح وهو كاف لنا.