احترموا عقيدتنا وديننا

علي الطنطاوي

لا يجوز في دين الله، ولا في شرعة الديمقراطية ولا في حكم الدستور، ولا في قواعد الذوق، أن تعدو القلة على الكثرة وتؤذيها في دينها وكرامتها.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

أحب أن أمهد لما سأقوله اليوم برجاء القراء أن يسألوا مَن ذهب إلى أوريا أو أميركا من إخوانهم عن حال الكنائس فيها، وكيف تمتلئ يوم الأحد بكبار القوم ووجهائهم، وأن يسألوا مَن درس الفلسفة وتاريخ العلم عن الفلاسفة العظام والعلماء الأكابر وعن إيمانهم بالله واستمساكهم بالدين، وأن يسألوا مَن كان حضر حفلات تتويج ملك الإنكليز أو قرأ وصفها كيف كانت تفتتح بالصلاة، وكان يتصدرها رجال الدين، وأن يرجعوا إلى الصحف أو يقرؤوا في «المختار» كيف كان الملوك وكبار رجال السياسة يدعون الناس -أيام الحرب الأخيرة- إلى الرجوع إلى الله، وأن يبحثوا عن قوة الكنيسة في بلاد القوم وسيطرتها على نفوس الناس وإكبار الناس لرجالها.


أسوق هذا كله لأقول لمن لا يرى الحق حقاً إلا إن جاء من الغرب ولا يرى الخير إلا إن كان عليه دمغة الغرب ... أقول: إن التمسك بالدين، والمحافظة على مظاهره، وإقامة شعائره ليس رجعية، ولا جموداً، ولا منافياً للحضارة، ولا مخالفاً للتمدن. وأن دستورنا أوجب التمسك بقواعد الإسلام ومنع إعلان المخالفة له والخروج عليه.
لذلك أطلب من الحكومة -وقد جاء رمضان- باسم جماعة العلماء، وباسم جمهرة الناس، أن تحافظ على مظهر الصيام، وأن تمنع المجاهرة بالفطر، وألاّ تسمح لمطعم أن ينصب الموائد مكشوفةً على قوارع الطرق، ولا لموظف أن يشرب القهوة أو السيكارة علناً أمام المراجعين،

وأن تحترم وزارة المعارف أحكام الدين وكرامة الصائمين؛ فلا تجعل الامتحانات نهاراً يُقدّم فيها الماء البارد ويدخن فيها الدخان، والصائمون من التلاميذ والمراقبين يرون ويتألمون. لتكن الامتحانات ليلاً، ما الذي يمنع أن تكون ليلاً؟ وكيف يستطع الطالب المسلم أن يجمع ذهنه ليكتب وهو يرى ما يثير أعصابه من العدوان على دينه ومن الازدراء بشخصه؟


إن الديمقراطية هي حكم الأكثرية، وإن الكثرة الكاثرة من السوريين من الصائمين. فلا يجوز في دين الله، ولا في شرعة الديمقراطية ولا في حكم الدستور، ولا في قواعد الذوق، أن تعدو القلة على الكثرة وتؤذيها في دينها وكرامتها.
إننا لا نقول لغير المسلمين: "صوموا معنا"، ولكن نقول: "لا تعلنوا فطركم أمامنا". على أن من الإنصاف أن أقرر أن إخواننا المسيحيين كانوا دائماً على قدم اللطف والذوق، وأن الأذى إنما كان يأتينا ممن يدّعي بأنه مسلم وهو في الحقيقة عدو للإسلام بعيد عن الإسلام.
إنني أطلب من الحكومة باسم العلماء، وباسم الجمعيات الإسلامية، وباسم جمهرة الناس تطبيقَ أحكام الدستور، واحترامَ عقيدة الشعب، ومنعَ المجاهرةِ بالفطر والخروجِ على أحكام الصيام.
***