الاحتشاد حول السلطة
محمد جلال القصاص
وظل القائمون على الأمة (علماء وأمراء وأهل رأي) على هذا. يتفاضلون بالتقوى. ما يعني اعتناؤهم بسلوكهم الشخصي بالأساس ويكون صلاح المجتمع من قوة اتصالهم - كأفراد- بربهم.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
في أكثر من موضع من كتاب الله يخبر الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، بأن وظيفته هي البلاغ المبين وليس له أن ينتظر النصر والتمكين، مثل قوله تعالى: ( {وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} ) وحين تتدبر في حال النبي، صلى الله عليه وسلم، وماذا كان يشغله، على مستوى شخصه الكريم، صلى الله عليه وسلم، تجد أنه كان مشغولًا بما يمكن أن نسميه أعمالًا فردية، مثل الأذكار وكثرة الصلاة والصيام. وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم: ينفقون جل وقتهم في تزكية النفس لا للجدال في الشأن العام. فلو نظرت لمجتمع الصحابة لرأيتهم على الحال التي وصفهم بها خالقهم( {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} )، كأنهم- من كثرة صلاتهم، لا يفعلون شيئًا غيرها فلا ينظر إليهم ناظر إلا ويجدهم ركعًا سجدًا، ومثله ( {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، فجملة (وهم راكعون} ) حال. كأن حالهم دائمًا الركوع.
وحين تدقق النظر في التحولات الكبرى التي حدثت في واقع الناس في عهد الخلفاء الراشدين (وخاصة أبي بكر وعمر)، تجد أنها جاءت من الاعتناء بقضاء حاجة الفرد العادي.. العادي جدًا، وقد عرضت عددًا من هذه الأمور في مقالٍ بعنوان (كيف تعمر الأرض بمن لا يستهدف عمارتها؟)، وهي منطقة بحث فارغة مع شديد أهميتها. فهي تبين أن للإسلام منطلق آخر، أساسه تعبدي يبدأ من الفرد.
وظل القائمون على الأمة (علماء وأمراء وأهل رأي) على هذا. يتفاضلون بالتقوى. ما يعني اعتناؤهم بسلوكهم الشخصي بالأساس ويكون صلاح المجتمع من قوة اتصالهم- كأفراد- بربهم. فالتغيير في المنظور الإسلامي ينبع من حالة من التقوى والصلاح ( {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} )، وكذا الفساد يأتي من فساد حال الفرد مع ربه ( {ومَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير} )، والمعنى الكامن وراء هذه الحقيقة أن الله هو الفاعل على الحقيقة، وأن صلاح حال الفرد والمجتمع فضل من الله يمن به على من شاء من عباده، وأن ابتعاد الفرد عن ربه يقتضي حتمًا فساد حاله هو وفساد مجتمعه.
والمقصود أن حركة التجديد في الحالة الإسلامية تبدأ من ضبط حال القلب مع الله... من ضبط سلوك الفرد.. من نشر قيم التراحم والتعاون بين الأفراد، وما يحدث الآن هو شيء آخر سببه الاختراق العلماني للفرد الصحوي، ما يحدث هو احتشاد حول السلطة، كل الحركات الإسلامية ترى أن الاستيلاء على السلطة هو نقطة البداية لصلاح حال المجتمع، والسؤال: وماذا فعل من وصل من الإسلاميين للسلطة (وقد وصلوا بالفعل في بلاد الأفغان، والسودان وتركيا وتونس ومصر)، هل رودوا الدولة القومية أم رودتهم ثم أهانتهم وآلامتهم؟!