التربية والتعليم (7)

محمد هشام راغب

نفضت الدولة يديها –أو كادت- من مسئولية التربية والتعليم، وتركت سوقه للمستثمرين والسماسرة، فلا ينبغي أن يستسلم المجتمع لهذا، بل يهب بعض أهل الاختصاص فيه لإنشاء بدائل تربوية وتعليمية.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -
التربية والتعليم (7)

عرفت في حياتي القصيرة عددا من الفضلاء الذين نذروا حياتهم للنهوض بالتربية والتعليم، وحققوا نتائج مبهرة أثمرت آلافا من الناشئة الذين تلقوا تربية راقية وتعليما متميزا، وصنعت منهم كوادر عظيمة في شتى مجالات الحياة. هؤلاء الرواد من أصحاب الهمم العالية والنفوس العظيمة، قاموا بهذه الجهود الجبارة في ظروف غير مواتية، من التضييق والخناق والملاحقة لكنهم صبروا وصابروا ورابطوا على هذا الثغر الحيوي الذي لا يمكن لأي أمة أن تنهض بدونه.

كان حلم حياة هؤلاء الفضلاء أن يتخرج من محاضنهم التربوية والتعليمية مسلمون قد تزكت نفوسهم بالتربية ونضجت عقولهم بالعلم.

إذا نفضت الدولة يديها – أو كادت - من مسئولية التربية والتعليم، وتركت سوقه للمستثمرين والسماسرة، فلا ينبغي أن يستسلم المجتمع لهذا، بل يهب بعض أهل الاختصاص فيه لإنشاء بدائل تربوية وتعليمية ولنا في تجارب أولئك الرواد في دول عربية عديدة المثل والقدوة.
إن التربية والتعليم من الصناعات الثقيلة ذات النفس الطويل والتي لا نرى مردودها بين عشية وضحاها، ولابد لها من جناحين: الاختصاص والاحتساب.
- الاختصاص: لأن التربية والتعليم هما أساس كل تنمية، ومصنع إنتاج الكفاءات الصناعية والطبية والعسكرية والتجارية والإعلامية والفنية والإدارية والفكرية وغيرها.


- والاحتساب: لأن طبيعة التعليم ومنظومته البطيئة الممتدة، ليست من موارد الربح المالي السريع. لذلك نرى كبريات الجامعات العالمية تقف وراءها أوقاف ضخمة لدعمها، بعض هذه الأوقاف في بريطانيا مثلا عمرها يمتد لعدة قرون.

إن قاعدة "الفراغ يُملأ" وقاعدة "الفراغ يُملأ بك أو بغيرك" تنطبقان أيضا على ميدان التربية والتعليم الذي به فراغات هائلة، فإن لم تُملأ بأهل الاختصاص والاحتساب من أصحاب النفوس العظيمة والهمم العالية الذين ينظرون لأبنائنا على أنهم أمل المستقبل وطاقته، فسيملأها المغامرون من المستثمرين الذين ينظرون لأبنائنا كزبائن وغنائم باردة.

وإن لم تكن سيرة أولئك الرواد الفضلاء دافعا ومحفزا لنا، فلننظر في تجارب الآخرين، وفيها مثلا ما حققه اليهود من محافظتهم على لغتهم العبرية وهم في شتات من الأرض عبر قرون، حتى إذا أقاموا كيانا لهم، رأينا كيف هاجروا إلى فلسطين المغتصبة، من شتى أصقاع الأرض وهم يتكلمون العبرية.

جهود فردية وأهلية ضخمة موثقة كانت وراء ذلك الإنجاز، وفيها عبرة لنا لمن يصاب بالإحباط أو اليأس من حال التعليم المتخلف، أو لمن يكتفي بالنقد وصراخ الحناجر بالتنديد فقط.