الحذر من الشكليات (2-2)

محمد بن إبراهيم النعيم

فليست القضية أن تجعل حولك هيلمان وصولجان وخدم وحشم، فربما كل هذا لا يزن عند الله شيئا أمام رجل تقيٍ طائعٍ لله، ولو كان فقيرا مغمورا بين الناس.

  • التصنيفات: مساوئ الأخلاق -

فيا عبد الله إنك بين خيارين، فأيهما تقدم؟ فإن الناس ينظرون إلى ظاهر الفرد، والى جماله وماله، وأما الله -عز وجل- فإنه ينظر إلى باطن الفرد، إلى قلبه وأعماله، فأيهما يجب أن تهتمَ به؟

 

  فالله -عز وجل- يكرم المرء لتقواه وليس لحسبه ونسبه وماله، وأما الناس فينظرون إلى الظاهر ويهملون الباطن، فقد جاء عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ  رضي الله عنه  أَنَّهُ قَالَ: «مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: (مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا)؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : (مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا)؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا» [رواه البخاري] .

فليست القضية أن تجعل حولك هيلمان وصولجان وخدم وحشم، فربما كل هذا لا يزن عند الله شيئا أمام رجل تقيٍ طائعٍ لله، ولو كان فقيرا مغمورا بين الناس.

 

    وثَمَّةَ أمر مهم في هذا الموضوع، وهو أن بعض الناس إذا رأى رجلا ظاهره عدم الالتزام ببعض أوامر الله، اعتقد بخراب باطنه، فقد يكون هذا الرجلُ فاسقا عندك، ولكنه مقرب عند الله؛ لأنه عمل أعمالا جليلة يحبها الله -عز وجل-، وقد تشفع له يوم القيامة؛ كبره لوالديه أو محافظته على الصلاة، فلا ينبغي أن نحكم على المسلم من ظاهره فقط، فلو رأيت رجلاً يجلد لشربه المسكر مثلا، وهذا من كبائر الذنوب، فلا يلزم من ذلك أن يكون قلبه خاليًا من أعمال يحبها الله ورسوله؛ فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب  رضي الله عنه : أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم  قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم : (لا تَلْعَنُوهُ، فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).

 

    فمن هذا الحديث يتبين لنا أن المرء قد يكون فاسقًا في الظاهر، ولكن لديه أعمال في الباطن تفوق كثيرًا ممن لديه صلاح في الظاهر، فلا تتعجل بذم أو تنقص لأخيك، فقد يكونُ أفضلَ منك عند الله وإن كان ضعيفَ الانقياد في الظاهر.

     فينبغي علينا أن لا نزدري أي مسلم، ولو كان يطيل ثوبه أو يحلق لحيته؛ لأن الله ينظر إلى القلوب أيضا، فرب رجل من هذا النوع يحب الله ورسوله حبا صادقا يكون أقرب إلى الله مني ومنك.

    كذلك علينا ألا نحكم على الناس بالنظر إلى صورهم فقط، فقد تخدعنا مظاهرهم، وكم إنسان تزين بزي الصالحين ليخدع الناس فيأكل أموالهم بالباطل.           

     فلا ينبغي أن تخدعنا المظاهر حتى نرى أعمالهم وأفعالهم.

 

والخلاصة التي ينبغي أن نخرج بها: أن تهتم بباطنك؛ لأن الله -عز وجل- ينظر إلى قلبك وعملك ولا تجعل جل اهتمامك بظاهرك.

فأنت بين خيارين، فأيهما تقدم؟ فإن الناس ينظرون إلى ظاهرك والى صورتك، وأما الله -عز وجل- فإنه ينظر إلى باطنك، إلى إيمانك وأعمالك، فأيهما يجب أن تهتمَ به؟ أدع الجواب لك.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.