(4) السيماء التربوية لنفسية المرأة
فريد الأنصاري
الحياء مقصد من أهم المقاصد الشرعية، التي تداني ما سطره العلماء في مقاصد الشريعة، هو خُلُقٌ إسلامي عام في الرجال والنساء على السواء، وإن كان وجوده في المرأة أجلى وأبين وأجمل.
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - أعمال أدبية -
تقوم السيماء التربوية للمرأة في الإسلام على ثلاثة أركان، ذات أبعاد جمالية خاصة، هي من لطائف الأنثى خِلْقَةً، ومن أسرارها العميقة. وهي كما يلي:
أولا- جمالية الأنوثة:
الأنوثة هي سر الجاذبية الخِلْقية في المرأة. والأنوثة في الإسلام مفهوم تكاملي؛ ومن هنا جماليته. أي أن به يُحَصِّل الرجل كمالَه، من حيث هو جنس بشري، وبدونه فهو ناقص أبدا. وكذلك المرأة في المقابل لا تكون إلا بالرجولة التي على أخيها أن يحفظها ويرعاها لها! و (الجمالية التكاملية) هي المذكورة في قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة:187]؛ ومن هنا وجدنا الإسلام ينهى بشدة عن (تَرَجُّلِ المرأة) أي تشبهها بالرجل؛ لما فيه من فقدان الهوية الفطرية، للتكاملية الإنسانية، ثم لما فيه من إخلال بالتوازن الجنسي، والجمالي في الخلق.
فالأنوثة حقيقة وجودية ضرورية لاستمرار النسل من ناحية، وضرورة وجودية للشعور بمعنى الحياة لدى الجنسين، بما يكون من إنتاج للوظيفة البشرية في بناء الأسرة. ومن ثَمَّ؛ من وظيفة عمرانية في قيام الحضارات، واستمرار التاريخ إلى ما شاء الله. فكان الترجل النسوي لذلك تهديدا للوجود الإنساني وخرما لتوازنه! وقد وردت أحاديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في هذا الخصوص من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المُتَرَجِّلَةُ المتشبهة بالرجال، والدَّيُّوثُ! وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى».
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا: الدَّيُّوثُ، والرَّجُلَةُ من النساء، ومدمن الخمر» ). وعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الرَّجُلَةَ من النساء».
والترجل في المرأة قد يكون شكليا كما باللباس، أو طريقة الكلام، أو المشي، أو نحو ذلك من الشكليات الظاهرة، وقد يكون بدنيا بتغيير خلق الله في نفسها، بالجراحات الطبية المحرمة التي تؤثر على طبيعتها الأنثوية، ووظيفتها الوجودية.
وكل ذلك حرام بنص الأحاديث ومقاصد الشريعة، ومن هنا حرم الإسلام حتى مجرد التشبه بالرجل بله الترجل، كما حرم على الرجل التشبه بالنساء سواء! وذلك كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء»
وقال في خصوص التشبه في اللباس: «لعن الله الرجلَ يلبس لَبْسَةَ المرأة، والمرأةَ تلبس لبسةَ الرجل». فالأنوثة إذن؛ مقصد إسلامي وجودي وتشريعي، وكل خرم له هو خرم لحقيقة التدين ولحقيقة الحياة.
ثانيا- جمالية الحياء والتخفي:
الحياء ضد الفحش والتفحش، وضد البَذَاء. وجمالية الحياء هي من المقتضيات الفطرية للأنوثة. والحياء بطبيعته يميل إلى التخفي؛ لأن به يحفظ وجوده في النفس وفي المجتمع. إن الحياء كالزئبق، بمجرد ما ترفع عنه الغطاء يطير في الهواء ويتلاشى!
ومن هنا كان لا حياء مع العري، وكان لا حياء مع البروز الفاضح. التخفي سر بقاء الحياء، والحياء سر بقاء الجمال! وإنما جمال الوردة ما لم تقطف! فإذا قطفت فركتها الأيدي ففقدت بهاءها، فلا جمال بعد! ومن هنا كانت الوردة الأجمل هي تلك المحصنة بين خضرة الأوراق وتيجان الأشواك!
والحياء عموما مبدأ إسلامي كلي، عام في كل شيء، سواء كان في الأقوال، أو في الأفعال، أو في الألبسة، أو في التصرفات وسائر الحركات. وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم الجامع المانع: «ما كان الفحش في شيء قط إلا شَانَه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زَانَه». كما أنه كان عاما في كل إنسان، من حيث هو مسلم يحمل عقيدة معينة، وانتماء حضاريا متميزا.
ولذلك قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان في قوله: «إن الحياء والإيمان قُرِنَا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر»، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبَذَاءُ من الجفاء، والجفاء في النار».
ثم جعله بعد ذلك سلوكا يوميا، وتعبدا عمليا، وربطه بالله جل وعلا؛ معرفةً بجلال وجهه، وعظمة سلطانه، وجمال إنعامه، فقال صلى الله عليه وسلم: «استحيوا من الله تعالى حق الحياء! من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبِلَى! ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا. فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء»
لقد قصدت بإيراد هذه النصوص أن أبين أن الحياء مقصد من أهم المقاصد الشرعية، التي تداني ما سطره العلماء في مقاصد الشريعة. وتَتَبُّعُ هذا المعنى بالمنهج الاستقرائي في النصوص الشرعية؛ يجعل منه كليا من أهم الكليات الخلقية في الإسلام.
ذلك ما يتعلق بالحياء مطلقا في الإسلام، أعني من حيث هو خُلُقٌ إسلامي عام في الرجال والنساء على السواء، وإن كان وجوده في المرأة أجلى وأبين وأجمل.
إلا أن المرأة في الشريعة الإسلامية اختصت منه بلطائف ومعان، ليست على الرجل، ضبطا وتشريعا. فكثيرة هي الأعمال التي أنيطت بالمرأة دون الرجل؛ رعيا لمقصد الحياء! فكل ما أوجب عليها التستر الجسمي أو الحركي أو الصوتي؛ فهو راجع إلى هذا المعنى.
فأما التستر الجسمي فهو ما فرض الله عليها من اللباس الإسلامي، في محكم القرآن العظيم، من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:59]، وما فصلته السنة النبوية في ذلك، من جزئيات بيانية توضيحية، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله». ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله عز وجل عنها ستره».
وأما التستر الحركي فهو ما فرضه الله عليها من الاتزان في المشي وفي الصلاة، وما حرمه عليها من التغنج في الشوارع، والأماكن التي يغشاها الرجال. قال تعالى: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [النور:31] ومنعها من إمامة الرجال في الصلاة؛ لما فيه من كشف لحركة جسمها ومفاتنه عند الركوع والسجود! ونحو ذلك في الشريعة كثير.
وأما التستر الصوتي فهو متعلق بتلحين أنغامها الصوتية خاصة، وما في معناه من تغنج صوتي، وليس متعلقا بمطلق الصوت طبعا! وذلك كمنعها من الأذان، وتجويد القرآن بمحضر الرجال الأجانب عنها. ومن باب أولى وأحرى منعها من الغناء للرجال، وتلحين الصوت عند الكلام العام؛ قصد التأثير الجنسي على الرجل من غير الزوج! وذلك كله إنما هو مقدمات الزنى. ويجمع هذه المعاني قول الله تعالى الصريح: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأجزاب:32].
كل ذلك إنما كان رعيا لجمالية الحياء الأنثوية في المرأة، وحفظا لفطرتها النفسية ولطائفها الوجدانية، وحمايتها من التسيب الخلقي الذي هو باب كل شر!
وعليه؛ فقد كان التخفي في الإسلام مطلبا تعبديا للمرأة في كل شيء؛ حتى في صلاتها! وبهذا المنطق يجب فهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعل صلاتها في بيتها أفضل -في الأجر والمثوبة- من صلاتها في المسجد، على عكس ما سنه للرجل تماما.
وذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها، أفضل من صلاتها في بيتها» وأوضح منه قوله صلى الله عليه وسلم: «لأن تصلي المرأة في بيتها خير لها من أن تصلي في حجرتها، ولأن تصلي في حجرتها خير لها من أن تصلي في الدار، ولأن تصلي في الدار خير لها من أن تصلي في المسجد».
وعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي (أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. قال: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي»
قالت: فأَمَرَتْ؛ فَبُنِيَ لها مسجد في أقصى بيت في بيتها، وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل).
كل هذا التخفي في العادات والعبادات؛ إنما هو لحفظ جمالية الحياء. ذلك المقصد الذي يشكل سرا من أسرار الجمال في الأنثى!
وبهذه النصوص والمقاصد؛ يدرك المتبصر مقدار المخالفة الشرعية، في جمالية الحياء والتخفي، بين مثال المرأة المسلمة وبين حالها في واقعها المعاصر! فانظر -رحمك الله- كم هي بذيئة حالة الاستعراض التي تمارسها المرأة اليوم
على الملأ، في الشوارع والأماكن العامة، تقليدا لعادات اليهود والنصارى! بل لقد وصل الجهل بمثل هذه الحقائق؛ أن صار كثير ممن ينتسبن إلى التدين والعفاف؛ لا يجدن حرجا في الخروج مع أزواجهن، مشيا على هيأة من التغنج الفاضح، والتلاصق المخجل! خاصة الأزواج الحديثي العهد بالزواج. وكأن كونهما مرتبطين بعَقد شرعي كاف لتسويغ حالة الاستهتار الخلقي، التي يمارسانها على الملأ، من التخاصر والتمايل. فما بالك بمن دونهما من الساقطين والساقطات! لقد فقد الناس الإحساس بالحياء! وفسدت أذواقهم إلا قليلا!