القضاء على التتار في بلاد الشام وعودة الهيبة
راغب السرجاني
عودة الهيبة للأمة الإسلامية بعد غياب دام أكثر من ستين سنة وفناء قوة التتار العسكرية في منطقة الشام وتركيا وفلسطين كما فصلنا.
- التصنيفات: التاريخ والقصص - التاريخ الإسلامي -
الأثر الثالث: عودة الهيبة للأمة الإسلامية بعد غياب دام أكثر من ستين سنة، فبعد أن كانت الأمة الإسلامية في أواخر القرن السادس الهجري في درجة عظيمة جداً من درجات النصر والفخر والسيادة، وذلك بعد انتصاري حطين في المشرق في فلسطين، والأرك في المغرب في الأندلس، حدث بعد ذلك انكسار شديد في حالة الأمة الإسلامية، وضاعت هيبتها،
حتى بدأت الكلاب تنهش في جسدها، والأفاعي تجول بأرضها، ولكن بعد عين جالوت ألقي الجلال والمهابة على الأمة الإسلامية، حتى إن هولاكو الذي كان يستقر في تبريز في فارس، ومعه عدد ضخم جدًا من القوات التترية لم يفكر في إعادة احتلال بلاد الشام مرة أخرى، بل أقصى ما فعله هو إرسال حملة انتقامية أغارت على حلب، وسفكت دماء بعض أهلها كنوع من إثبات الوجود، والانتقام لقائده الشهير كتبغانوين، لكن هيبة الأمة الإسلامية وقرت في صدره، فلم يشأ أن يلقي بجيشه في مهلكة جديدة، وما فكر مرة ثانية في احتلال الشام، وهيبة الأمة لا تعود إلا بعين جالوت أو أشباهها، وصدق الخليفة الراشد العظيم عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
الأثر الرابع من آثار عين جالوت: فناء قوة التتار العسكرية في منطقة الشام وتركيا وفلسطين كما فصلنا، ولم يسمع عن التتار في هذه المنطقة لمدة عشرات السنين بعد ذلك، فقد اختفى القهر والظلم والبطش والتشريد، وأمن الناس على أرواحهم وأموالهم وأرضهم وأعراضهم،
ولم يروع الناس أحد في هذه المناطق إلا بعد عين جالوت بأكثر من مائة وأربعين عاماً، حين دخل السفاح التتري الجديد تيمورلنك بلاد الشام، فاجتاح حلب ودمشق سنة (804) هجرية، وهذا الكلام إن شاء الله سنتكلم عليه بالتفصيل عند الحديث عن دولة المماليك في مجموعة خاصة بها من المحاضرات، وعند الحديث أيضاً عن الخلافة العثمانية العظيمة، ولكن ما يهمنا في هذا المجال هو أن موقعة عين جالوت الخالدة أمنت المسلمين (146) سنة كاملة.