(1) التعريف بالتقوى
عمر سليمان الأشقر
تقوى الله سبحانه، هي عبادته، بفعل الأوامر وترك النواهي عن خوف من الله وعن رغبة فيما عنده، وعن خشية له سبحانه، وعن تعظيم لحرماته، وعن محبة صادقة له سبحانه ولرسوله.
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
نقل ابن منظور في معجمه الكبير [لسان العرب: 3/ 971 – 973] عن ابن الأعرابي أنَّ: التُّقاة، والتَّقيَّة، والتقوى، والاتِّقاء بمعنى واحد،
وبيَّن ابن منظور أنَّ معنى وقاه الله وقياً ووقاية: صانه، تقول: وقيت الشيء أقيه: إذا صنته وسترته من الأذى، وتوقَّى، واتقى بمعنى. والوقاء والوقاء والوقاية: كلّ ما وفيت به شيئاً، ووقاك الله شرَّ فلان وقاية، أي: حفظك،
وقال أبوبكر: رجل تقي، ويجمع أتقياء، معناه أنه موقٍ نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح، وفي الحديث: «كنا إذا احمرَّ البأس اتقينا برسول الله "أي" جعلناه وقاية لنا من العدو قدامنا، واستقبلنا العدوَّ به، وقمنا خلفه،
وقال أفنون التغلبي:
لعمرك ما يدري الفتى كيف يتقي * * * إذ هو لم يجعل له الله واقيا
تعريف التقوى في الاصطلاح
قال شيخنا الشيخ عبد الله العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: "تقوى الله سبحانه، هي عبادته، بفعل الأوامر وترك النواهي عن خوف من الله وعن رغبة فيما عنده، وعن خشية له سبحانه، وعن تعظيم لحرماته، وعن محبة صادقة له سبحانه ولرسوله [محاضرة نشرتها مجلة البحوث الإسلامية، الرياض، العدد: 59].
وهذا تعريف جامع للتقوى في الشرع، فالتقوى تكون بعبادة الله تعالى بفعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات الصادرة عن خوف الله وخشيته ومحبته، قال تعالى: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة: 41] وقال سبحانه: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281].
والتقوى التي في القلب ليست قاصرة على الخوف والخشية، فقد عدَّاها شيخنا إلى الخوف والخشية والرغبة فيما عند الله، وإلى تعظيم حرمته، وهذا صحيح، فإن التقوى هي مجموع ما في القلب من خوف الله وخشيته وتوقيره و وتعظيه ومراقبته، وطلب ما عنده.
وقد قصَّر بعض أهل العلم في تعريف التقوى عندما قصروها على فعل المأمورات وترك المنهيات، ومن ذلك قول أبي عبد الله التونسي: "حقيقة التقوى عبارة عن امتثال المأمورات واجتناب المنهيات" [بصائر ذوي التمييز: 5/ 257]. فإن قصرها على فعل المأمورات وترك المنهيات، ولم يذكر ما حلَّ في القلب منها.
ومن التعريفات التي قصَّرت في تعريف التقوى تعريف الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، فإنه قال: "التقوى ترك ما حرَّم الله، وأداء ما افترض الله" [المطلع على أبواب المقنع: ص99]،
ومنها تعريف الكفوي حيث قال: "المتقي في عرف الشرع اسم لمن يقي نفسه عمّا يضره في الآخرة، وهو الشرك المفضي إلى العذاب المخلد" [الكليات: ص 38]. فقد قصر التعريف الأول التقوى على ترك المحرمات وفعل الفرائض، ولم يذكر ما في القلب، والتعريف الثاني قصرها على الشرك المفضي إلى العذاب.
ومن التعريفات الحسنة للتقوى ما عرفها به الراغب الأصفهاني، فإنه قال: "التقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف، هذا تحقيقه، ثم يسمى الخوف تارة تقوى، والتقوى خوفاً حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضي بمقتضاه،
وصار التقوى في تعارف الشرع: حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور" [المفردات" 530].
ومن أجود ما ورد في تعريف التقوى ما قاله التابعي طلق بن حبيب، فإنه قال: "التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تجتنب معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله" [كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك (ص 473)، فقرة (1343) وجامع العلوم والحكم: (ص 149)].
فالتقوى لها جنحان، الأول: فعل الطاعات، والثاني: اجتناب معصية الله، وكلاهما صادر عن نور الله، ويريد بالنور الدليل الذي أمر بالطاعة، ونهى عن المعصية، والمتقي يفعل ما فعله يريد ثواب الله عزَّ وجلَّ، ويترك ما نهي عنه يريد النجاة من عذاب الله.
ومن التعريفات الجميلة للتقوى التي ذكرها بعض المتأخرين: "التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".