(7) قدوم جيش المشركين إلى بدر
خالد الراشد
أراد المسلمون العير يوم بدر فأقبل النفير من قريش يريد مواجهة المسلمين واستئصال شأفتهم، لكن النبي القائد أخذ رأي الرجال المقاتلين، ثم انطلق بالجيش إلى بدر للقاء أعداء الله، فانطلقوا وجلّ اعتمادهم على خالقهم، فذهبوا بعزيمة الرجال، وشجاعة الأبطال، ورباطة جأش الواثق من نصر ذي الجلال.
- التصنيفات: السيرة النبوية - قصص الصحابة - سير الصحابة -
سمعنا من أخبار معسكر الكفار، والانشقاق الذي حصل بينهم، فقد بدأ الشقاق والخلاف في الظهور بعد أن رجعت القافلة ونجت، لكنهم أخذوا بمشورة أبي جهل الذي قادهم إلى الهلاك حيث قال: والله لا نرجع حتى نشرب الخمور.
وستأتي في آخر القصة مقارنة بين قول هؤلاء وقول أولئك، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء المعركة طأطأ رأسه ورفع يديه إلى السماء مخاطباً ربه بالدعاء، وشاكراً له نعمة الانتصار، وأولئك يقولون: سنشرب الخمور، وسننحر الجزور، وستضرب علينا القينات، أليس هذا هو قولهم اليوم أيضاً؟! أليس هذا هو قول معسكر الكفر والشرك في هذه الأيام؟ بلى والله، فالكفر ملة واحدة لا تتغير ولا تتبدل، يتغير الناس لكن العلة واحدة، فمعسكر المشركين خرج بطراً ورئاء الناس، ومعسكر المسلمين خرج لنصرة الله ورسوله.
وفي ظل الأحداث والمستجدات هنا وهناك، بلغ المسلمين خبر إفلات القافلة وأنه لا مجال لإدراك القافلة، ولكن الخبر الأهم: أن قريشاً تحركت بجيش كبير إلى بدر لحماية تلك القافلة، وهي الآن على مشارف بدر، وهذا الخبر أهم من الخبر الأول.
مكة خرجت بجيش ضخم فيه كل الاستعدادات، واتجهت نحو بدر، فماذا سيصنع جيش المسلمين الصغير؟ المسلمون ما خرجوا لقتال أبداً، فكيف سيتصرف النبي صلى الله عليه وسلم مع تغير الأحوال والظروف؟ الصادق على أتم الاستعداد للبذل والعطاء مهما تغيرت الظروف، فلله عبودية في الرخاء، ولله عبودية في الشدة، والكثير منا يحقق عبودية الرخاء، فإذا جاءت الشدة لم يثبت إلا القليل.
ولذلك كان من سنن الله وحكمته أنه يبتلي الناس حتى يصلحهم، والله أعلم بالشاكرين، وحتى تقام الحجة على فلان وفلان كما قال تعالى {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:179]، وما الذي يميز الناس؟ هل الرخاء يميز الناس؟! فكلٌ يدعي وصلاً لليلى وليلى لا تقر لهم بذاك فالمواقف هي التي تربي الرجال، {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد:21]، ومما لا شك فيه أن ترك جيش الكفر يجوس خلال الديار فيه إهانة للجيش المسلم، فإذا ترك ذلك الجيش يطوف بين القبائل يستعرض قوته العسكرية والاقتصادية، ويعلم الناس أن قافلته قد نجت؛ فسيكون فيه إضعاف لهيبة المسلمين، الذين بدءوا بدورهم في إرسال السرايا هنا وهناك لإظهار قوتهم، فإذا سكتوا عن قوة قريش هناك فمعناه ذهاب هيبة المسلمين.
ثم في ذلك امتداد لفرض قريش سيطرتها العسكرية والاقتصادية على طول ذلك الطريق، فترك ذلك الجيش في استعراضاته الاستفزازية من مكة إلى بدر دون اشتباك مع جيش المدينة فيه إظهار ضعف المسلمين، فإن الفريق الكافر قد خرج إلى بدر وكذلك الفريق المسلم، فإذا تراجع الفريق المسلم إلى الوراء فسيكون أمراً لا ترضاه النفوس المؤمنة.
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى ولو تراجعوا أيضاً فقد تقول قريش وهي بجيشها وقادتها: ما دام أنهم تراجعوا فلماذا لا نهاجمهم في عقر دارهم؟ فلن يلبث المسلمون قليلاً إلا والمشركون على أسوار المدينة، وفي هذا إذلال للقوة المسلمة.\
ثم تغيرت الموازين بأمر من الله سبحانه وتعالى.
فالمؤمنون يتربون بالمواقف، والذي يتحكم بالمواقف هو الله جل في علاه، يقلب الموازين، ويغير الأمور، وله مقاليد السماوات والأرض.
يا إخوان! لقد استمرت الشيوعية سبعين سنة، وما كان أحد يظن أن الشيوعية ستسقط، فمن الذي أسقطها؟ إنهم الرجال على جبال أفغانستان، فقد كان المعسكر الصليبي يخاف أن يتجرأ على الشيوعية؛ ولذلك لم يسقطها الصليبيون، بل أسقطها أبطال الإسلام، أسقطها الشباب بتضحياتهم، وبدمائهم، ثم قطف الصليبيون الثمرة وتآمروا على المسلمين بعد أن حصل ما حصل.
ولذلك لما تغيرت الظروف والأحوال اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتلك التغيرات، وكانت رغبة النبي صلى الله عليه وسلم قوية جداً في ملاقاة الجيش الكافر، لكنه لم يكن يريد أن يلزم الرجال بما لا طاقة لهم به.