(إن الذين آمنوا والذين هادوا)
عبد الحي يوسف
الآية تتكلم عن ناس كانوا على دين الحق قبل مجيء الإسلام، ليس كما يظن الجهال والمخرفون الآن، فيستدلون بهذه الآية على أن اليهود والنصارى الموجودين الآن الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم..
- التصنيفات: القرآن وعلومه - التفسير -
قال المؤلف رحمه الله تعالى: أسباب نزول الآية (62) قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:62]، أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قال سلمان: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم فذكرت من صلاتهم وعبادتهم، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} [البقرة:62].
سلمان رضي الله عنه بدأ رحلة طويلة، كان أصلاً في أصبهان في إيران، ثم انتقل من أصبهان إلى راهب في عمورية في أرض الروم، ثم إلى بلاد الشام، ثم إلى وادي القرى إلى أن وصل إلى المدينة، وكان آخر راهب قال له: لا أعلم أحداً على الدين الحق، لكن قد أظل زمان نبي يخرج، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة.
فسلمان، كان في المدينة يعمل عند يهودي، فقال له يهودي آخر: قاتل الله بني قيلة يعني: الأوس والخزرج اجتمعوا على رجل في قباء جاء من مكة يزعم أنه نبي، يعني أن اليهودي يسخر منه، فاليهود عندهم عقدة التفوق، قال الله عنهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18]، فهم لا يتصورون نبوة في غير بني إسرائيل، فاليهودي عندما قال هذا الكلام، يقول سلمان: فأخذتني عروراء، يعني: رجفة، قلت له: ماذا قلت؟ قال: فرفع سيدي اليهودي يده فلطمني لطمة منكرة، قال: ما شأنك تدخل في كلام الكبار، فقلت: لا شيء، وإنما سمعت فأحببت أن أستثبته عما قال، قال: ورجعت إلى عملي، فلما أمسى أخذ رضي الله عنه صحناً من تمر حتى ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في مكانه، وأصحابه من حوله،
فقال له: (بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب فقراء، فهذه صدقة، فكف صلى الله عليه وسلم يده، وقال لأصحابه كلوا، قال: سلمان هذه والله واحدة.
فجاء في اليوم الثاني بطبق ثانٍ، وقال له: هذه هدية فسمى الله وقال لأصحابه: كلوا وأكل معهم، قال سلمان: وهذه والله ثانية، بقيت الثالثة، فبدأ يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى كانوا في جنازة في بقيع الغرقد، والرسول صلى الله عليه وسلم جالس وهم يحفرون، وبدأ سلمان يدور من حوله وهو صلى الله عليه وسلم أذكى الناس، وأصفاهم قريحة، وأجودهم عقلاً عرف بأن سلمان يفتش عن شيء، فألقى رداءه صلى الله عليه وسلم، فوجد سلمان بين كتفيه خاتم النبوة كبيضة حمامة عليها شعرات، فأكب يقبل ظهر رسول صلى الله عليه وسلم ويبكي، ف
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «تحول، ما شأنك»؟ فحكى له ما كان، وأسلم، وشهد شهادة الحق) فصار من ذلك اليوم سلمان ابن الإسلام رضوان الله عليه، نسأل الله أن يجمعنا به في الجنة.
هذا الرجل المبارك يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، عن أولئك القوم الطيبين الذين كانوا يعبدون الله على دين المسيح ما شأنهم؟ فأنزل الله هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} [البقرة:62]، يعني: الآية تتكلم عن ناس كانوا على دين الحق قبل مجيء الإسلام، ليس كما يظن الجهال والمخرفون الآن، فيستدلون بهذه الآية على أن اليهود والنصارى الموجودين الآن الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، بل كفروا بموسى وعيسى؛ على أنهم يمكن أن يكون لهم في الجنة نصيب، وهذا من التدليس والتلبيس والتزوير الذي لا يليق بعباد الله المؤمنين.