(6) أسباب تحول دون القناعة

إبراهيم بن محمد الحقيل

أسباب تحول دون القناعة الأسباب التي تمنع القناعة بالكفاية، وتدعو إلى طلب الزيادة وهي- على سبيل الاختصار:

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - تربية النفس -

أسباب تحول دون القناعة ذكر الماوردي - رحمه الله تعالى- الأسباب التي تمنع القناعة بالكفاية، وتدعو إلى طلب الزيادة وهي- على سبيل الاختصار-:


1 - منازعة الشهوات التي لا تنال إلا بزيادة المال وكثرة المادة، فإذا نازعته الشهوة طلب من المال ما يوصله إليها، وليس للشهوات حد متناهٍ، فيصير ذلك ذريعة إلى أن ما يطلبه من الزيادة غير متناه، ومن لم يتَناهَ طلبه، استدام كده وتعبه، فلم يفِ التذاذه بنيل شهواته بما يعانيه من استدامة كده وأتعابه، مع ما قد لزمه من ذم الانقياد لمغالبة الشهوات، والتعرض لاكتساب التبعات، حتى يصير كالبهيمة التي قد انصرف طلبها إلى ما تدعو إليه شهوتها فلا تنزجر عنه بعقل، ولا تنكف عنه بقناعة.


2 - أن يطلب الزيادة ويلتمس الكثرة ليصرفها في وجوه الخير، ويتقرب بها في جهات البر، ويصطنع بها المعروف، ويغيث بها الملهوف؛ فهذا أعذر، وبالحمد أحرى وأجدر، متى ما اتقى الحرام والشبهات، وأنفق في وجوه البر؛ لأن المال آلة المكارم وعون على الدين، ومتألف للإخوان. قال قيس بن سعد: "اللهم ارزقني حمدًا ومجدًا؛ فإنه لا حمد إلا بفعال، ولا مجد إلا بمال". وقيل لأبي الزناد: "لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ فقال: هي وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها". وقال بعض الحكماء: "من أصلح ماله فقد صان الأكرمين: الدين والعرض ".


3 - أن يطلب الزيادة ويقتني الأموال ليدخرها لولده، ويخلفها لورثته، مع شدة ضنه على نفسه، وكفه عن صرف ذلك في حقه، وإشفاقًا عليهم من كدح الطلب، وسوء المنقلب. وهذا شقي بجمعها، مأخوذ بوزرها، قد استحق اللوم من وجوه لا تخفى على ذي لب، منها:
أ- سوء ظنه بخالقه: أنه لا يرزقهم إلا من جهته.
ب- الثقة ببقاء ذلك على ولده مع نوائب الزمان ومصائبه.
ج- ما حُرم من منافع ماله، وسلب من وفور حاله، وقد قيل:
"إنما مالك لك أو للوارث أو للجائحة؛ فلا تكن أشقى الثلاثة".
د- ما لحقه من شقاء جمعه، وناله من عناء كده حتى صار ساعيًا محرومًا، وجاهدا مذمومًا.
هـ- ما يؤاخذ به من وزره وآثامه، ويحاسب عليه من تبعاته وإجرامه. وقد حُكي أن هشام بن عبد الملك لما ثَقَل بكى ولده عليه، فقال هلمَّ: "جاد لكم هشام بالدنيا وجِدْتُم عليه بالبكاء، وترك لكم ما كسب، وتركتم عليه ما اكتسب، ما أسوأ حال هشام إن لم يغفر الله له! " وقال رجل للحسن - رحمه الله تعالى-: "إني أخاف الموت وأكرهه، فقال: إنك خلفت مالك، ولو قدّمته لَسَرك اللحاق به ".


4 - أن يجمع المال ويطلب المكاثرة استحلاء لجمعه، وشغفا باحتجانه، فهذا أسوأ الناس حالا فيه، وأشدهم حرمانا له، قد توجهت إليه سائر الملاوم، وفي مثله قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].