(16) أشكال الانعزال

أحد أشكال الانعزال عن الواقع والانسحاب من الحياة الزعم بأننا على أعتاب الملاحم الكبرى وعلامات الساعة، وضرورة الاستعداد لها وعدم تعظيم الدنيا التي على وشك الفناء والانتهاء. لقد شاعت كتب وكتيبات تروج لهذه الأفكار، كما ظهر عدد من الأفراد والهواة يؤكد كل منهم أنه المهدي المنتظر!

الملاحم الكبرى وعلامات الساعة حق لا شك فيه، لكن الجزم بأنها وشيكة فيه نظر وليس عليه دليل صلب، ولا زلنا نسمع بمثل هذا منذ عقود طويلة. والأهم من هذا أن هذه الطريقة في التفكير تورث عجزا وتوفر لأصحابها راحة وهمية تعفيهم من مواجهة تحديات الواقع المعاصر فضلا عن حمل هموم المستقبل.

هؤلاء يتهربون من حديث «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها» والذي من معانيه - بداهة - الحث البالغ على العمل والأخذ بكل سبب ممكن، برغم ما هو معلوم أنه عند قيام الساعة لن يترتب أثر على ذلك العمل، ولكنه تأصيل السعي والهمة والنشاط وبذل الوسع في كل سبب متاح، وهو معنى بليغ لا يخفى.‬‬‬