مدينة قوم عاد .. إرم ذات العماد

راغب السرجاني

ورد ذكرها في سورة الفجر في القرآن الكريم، وقد اعتبرها بعض الباحثين والمؤرخين أنَّها مدينة، في حين اعتبرها البعض الأخر مثل الطبري أنَّها قبيلةٌ من بني عاد، كما قيل: إنَّها قبيلةٌ ضربها الله بغضبه لكثرة خطاياها وحسب خبراء الآثار يعتقد أنَّ عُمْر هذه الأنقاض يعود لنحو 3000 سنة ق.م.

  • التصنيفات: التاريخ والقصص - التاريخ الإسلامي -

مدينة إرم .. مكانها وأصل تسميتها:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 6 - 8].

مدينة إرَم، مدينة قوم عاد، المدينة ذات العماد، تُسمَّى باللغات الأوروبية «Irem،Ubar،Wabar»، بالإضافة إلى «City of a Thousand Pillars» والتي تعني مدينة الألف عامود.

ورد ذكرها في سورة الفجر في القرآن الكريم، وقد اعتبرها بعض الباحثين والمؤرخين أنَّها مدينة، في حين اعتبرها البعض الأخر مثل الطبري أنَّها قبيلةٌ من بني عاد، كما قيل: إنَّها قبيلةٌ ضربها الله بغضبه لكثرة خطاياها، وحسب خبراء الآثار يعتقد أنَّ عُمْر هذه الأنقاض يعود لنحو 3000 سنة ق.م.

وإرم ذات العماد هي مدينة عاد قوم هود الذين أهلكهم الله بريحٍ صرصرٍ عاتية.. وجاء ذكر قوم عاد ومدينتهم "إرم" في سورتين من سور القرآن الكريم سُمِّيت إحداهما باسم نبيِّهم "هود‏ عليه السلام"،‏ وسُمِّيت الأخرى باسم موطنهم "الأحقاف‏"، وفي عشرات الآيات القرآنيَّة الأخرى التي تضمُّها ثماني عشرة سورة من سور القرآن الكريم.

ويذكر بعض الأَخباريِّين أنَّ «عادًا» وبعض الأمم القديمة هم من نسل «إِرم بن سام بن نوح»، فإِرم عندهم اسم أحد أبناء سام، وإِليه تُنسب قبيلة عاد، ولكن ليس في التوراة ذكرٌ لقبيلة «عاد».

ويستظهر جرجي زيدان أنَّ «هدورام» المذكورة في التوراة (الإِصحاح العاشر /الآية 7، والإِصحاح الأول /الآية 2)، هي عاد، وهي عنده من الأمم الأراميَّة القديمة.

وقد ورد لفظ «أرام» في الإِصحاح العاشر في عداد أبناء سام: «بنو سام: عيلام، وأشور، وأرفكشاد، ولود، وأرام»، ولكن لم يرد في التوراة لفظ «إِرم» المذكور في القرآن الكريم والموصوف بذات العماد.

مدينة إرم .. التي لم يخلق مثلها في البلاد

من المؤكد أنَّ الوصف القرآني لمدينة إرم بأنها {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}  [الفجر: 8] له دلالة كبيرة على عظم المدينة، والتي تؤكد الأخبار أنها كانت من أقوى المدن وأعلاها بناءًا، وأنها مليئة بالأعمدة الشامخة والتي وصل عددها إلى الألف، وأنها كانت من الروعة بمكان لتحظى بهذا الوصف القرآني البديع.

وإِنَّ ورود لفظ «الأحقاف» في الآية الكريمة قد دفع بعض الأخباريين إِلى اختراع خبرٍ طويلٍ حول «إِرم ذات العماد»، وقد أورد ياقوت الخبر مفصَّلًا في معجم البلدان (مادة أحقاف ومادة إِرم)، وخلاصته أنَّ إِرم ذات العماد كانت باليمن بين حضرموت وصنعاء، بناها شَدَّاد بن عاد، وأنَّ شدَّادًا كان ملكًا جبَّارًا، ولَمَّا سمع بالجنَّة وما أعدَّ الله لأوليائه من قصور الذهب والفضة والمساكن التي تجري من تحتها الأنهار أراد أن يبني مدينةً يُضاهي بها الجنة.

فأمر أعوانه أن يختاروا لها مكانًا مناسبًا وأغدقَ عليهم الأموال وأمرهم بجمع ما في البلاد من الذهب والفضة والجواهر الكريمة، وجعل فيها العَمد الطوال، وأجرى فيها الأنهار، وجعل أشجارها من الذهب، وثمرها من الياقوت، وبنى فيها ثلاثمائة ألف قصر، وبنى لنفسه قصرًا منيفًا عاليًا، فجاءت المدينة أعجوبة لا نظير لها في البلاد.

فأرسل الله إِليه هودًا عليه السلام ليهديه سواء السبيل، ولكنَّه لم يستجب لدعوته وتمادى في كفره وطغيانه، فأهلكه الله وقومه بالصيحة، وساخت المدينة في الأرض فلم يدخلها أحدٌ بعد ذلك.

وقد علَّق ياقوت على هذا الخبر بقوله: «هذه القصة ممَّا قدَّمنا، البَراءَة من صحَّتها، وظننا أنَّها من أخبار القُصَّاص المنمَّقة وأوضاعها المزوَّقة».

حقيقة مدينة إرم وموقعها الآن

إنَّ «إرم ذات العماد» هي مدينة عربية مفقودة تقع في القسم الجنوبي لشبه الجزيرة العربية في اليمن، ويُذكر أنَّها كانت مدينةٌ غنيَّة، وكانت تُشكِّل مركزًا تجاريًّا هامًّا في منطقة الشرق القديم، وقد ذكر في القرآن أنَّ سكانها كانوا من العرب البائدة من قبيلة عاد.

ويذكر أنه ورد ذكر إرَم في بعض الرقم الطينية القديمة لمدينة إيبلا في سوريا.

ويعتبر ذكر قوم عاد -وأخبار الأمم البائدة عامةً- في القرآن الكريم إعجازًا‏،‏ وذلك لأنَّ هذه الأمَّة قد أُبيدت إبادةً كاملةً بعاصفةٍ رمليَّةٍ غير عادية‏..‏ طمرتهم وردمت آثارهم حتى أخفت كلَّ أثرٍ لهم من على وجه الأرض‏..

وبسبب ذلك أنكرت الغالبيَّة العظمى من الأثريِّين والمؤرِّخين وجود قوم عاد‏،‏ واعتبروا ذكرهم في القرآن الكريم من قبيل القصص الرمزي لاستخلاص العبر والدروس‏،‏ بل تطاول بعض الكتَّاب فاعتبروهم من الأساطير التي لا أصل لها في التاريخ‏،‏ ثم جاءت الكشوف الأثرية في الثمانينيَّات والتسعينيَّات من القرن العشرين بالكشف عن {مدينة إرم} في ظفار 150كيلو متر شمال مدينة صلالة جنوب سلطنة عُمان و80 كيلو متر من مدينة ثمريت.

وقد اهتم بذكرها أعداد كبيرة من العلماء المسلمين؛ من المفسرين والجغرافيِّين والمؤرِّخين وعلماء الأنساب‏،‏ من أمثال: (الطبري‏،‏ والسيوطي‏،‏ والقزويني، والهمداني، وياقوت الحموي‏،‏ والمسعودي).

وبعد هلاك الكافرين من قوم عاد وهم في مدينتهم إرم ارتحل نبيُّ الله هود عليه السلام وسكن "حضرموت" حتى مات ودُفِن فيها قرب ‏(وادي برهوت‏)‏ إلى الشرق من مدينة تريم‏.‏