يوم الزينة
الشبكة الإسلامية
حين يكثر الظلم و يشتد القهر، ويداهن العالِم، وتفرحه كثرة الظلم الطغيان، وتُسكِره لذة القتل والعصيان، وعندما تتلاشي أسباب الحياة وتغلق أبواب الأرض في وجوه عباده المناضلين، عند ذلك تتدخل عناية الله رب العالمين، وتتجلي رعايته، ويتنزل حفظه لعباده المؤمنين الصادقين..
- التصنيفات: التفسير - ملفات شهر محرم -
حين يكثر الظلم و يشتد القهر، وتشتعل الأرض، ويداهن العالِم، وينتفش الظالم، وتأخذه العزة بالإثم، وتفرحه كثرة الظلم الطغيان، وتُسكِره لذة القتل والعصيان، وعندما تتلاشي أسباب الحياة وتغلق أبواب الأرض في وجوه عباده المناضلين، عند ذلك تتدخل عناية الله رب العالمين، وتتجلي رعايته، ويتنزل حفظه لعباده المؤمنين الصادقين.. كيف ؟ حدث ذلك في يوم الزينة ...
يوم الزينة
ابتلي الله فراعنة بني إسرائيل بالآيات الواحدة تلو الأخرى، لكنهم لم يثوبوا إلى رشدهم، ولم يقلعوا عن ظلمهم، ولم يرجعوا إلى ربهم {وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الزخرف:48]
آية العصا {فَأَلْقَى عَصَاه فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} [الاعراف:107]، ثم آية يده البيضاء {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِين} [الأعراف:108] ) هل رجعوا؟ هل اتعظوا؟ كلا.
ثم توالت الآيات {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف:130] قحط ونقص الثمرات، وبعد سني القحط جاءت آيات أخري كثيرة سجلها القران فقال سبحانه: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ} [الأعراف:133] هل اتعظوا؟ هل تابوا؟ هل استقاموا؟
كلا.. وإنما أخذهم الاستكبار والإجرام؛ فأضلهم الله {فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} [الأعراف:133].
كل تلك الآيات المزلزلة لفرعون وجنده وقومه، لم تزد فرعون إلا تجبرًا وعنادًا وإجرامًا، وعندما ذهب موسى عليه السلام برسالة ربه إلي فرعون الذي طغي وأظهر له آيتين من آيات ربه، وهما العصا التي تنقلب ثعبانا، واليد التي يخرجها بيضاء، فادعى فرعون أن ذلك سحر، وطلب من موسى تحديد موعد آخر حتى يجمع السحرة ليبطلوا ما جاء به موسى من آيات. فحدد لهم موسى عليه السلام الموعد كما جاء بالقرآن في يوم معلوم هو يوم الزينة، قال تعالى: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه:59]، وقال تعالي أيضا: {فجمع السحرة لميقات يوم معلوم} [الشعراء:38].
فجمع الناس وأراد الظالم المستكبر فرعون أن يصرفهم عن موسي عليه السلام، وأن يدحض الآيات، فانقلب السحر على الساحر {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ}، وقال أيضا في سورة الشعراء: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ . قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ}.. فكان رد فعل هذا الغبي المتعجرف: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ} [طه:71] ).. فردوا عليه: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [طه:72،73].
كان الأولى لفرعون بعد أن رأى تلك الآية المعجزة أن يفر هاربا مذعورا ـ إن كان مُصِرًّا على عنده وكفره.. لكن لأنه ظالم أضله الله، لم يفعل أي من ذلك فرعون، بل كعادة كل الطغاة، سار باطمئنان الجاهل، واستخفاف الغافل، يريد اللحاق بهؤلاء الفارين، تصور المغفل أن البحر الذي انشق بهذه الصورة المعجزة لينجي موسى وبني إسرائيل.. سينجيه معهم.. بل وسيمكنه من الإمساك بهم.
فوجد الغبي نفسه فجأة في وسط الماء، فأدرك مصيره المحتوم؛ وحاول أن يستدرك ما فاته، ولكن الله العدل لم يمكنه من النطق بكلمة التوحيد إلا في الوقت الضائع، حيث لا ينفع أحد إيمانه؛ فكان سوء الخاتمة جزاءً وفاقاً لما ارتكبه من جرائم وحشية في حق الشعب، ومن تطاول على رب العزة حين ادعى ـ وهو الحقير الذليل ـ أنه الإله المعبود.. عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن جبريل عليه السلام جعل يدس في فم فرعون الطين خشية أن يقول لا إله إلا الله، فيرحمه الله» أخرجه ابن حبان و الترمذى وصححه الألبانى .
غرق فرعون في الماء.. في اليوم العاشر من شهر محرم.. وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم يوم عاشوراء كل عام احتفالا بهلاك الظالم واحتفاء بانتصار الحق.
يومان مهمان:
ونخلص من هذه الواقعة إلى أن هناك يومين مهمين في حياة الأمة: يوم أظهر الله فيه الحق علي يد موسي عليه السلام، وأدحض الباطل متمثلا في فرعون وزبانيته
واليوم الثاني هو يوم نصر الله فيه الحق متمثلا في نجاة موسي وأصحابه، وأغرق الباطل متمثلا في فرعون وبطانته، وهو يوم العاشر من المحرم ويسميه العرب "عاشوراء" يتخذونه للطعام والحلوى وغيره.. في حين أمرنا النبي الكريم بصيامه احتفالا بنجاة موسي عليه السلام واحتفاء بغرق فرعون عليه لعنة الله.
فعن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ قال : [ما رأيت النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتحرى صيام يوم فضله على الأيام إلا هذا اليوم يوم عاشوراء](متفق عليه).
وقال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ «صيام يوم عاشوراء إنى أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله» (رواه مسلم).
أما فرعون فقد أضله الله ثم بين مصيره ومن معه فقال: {النار يعرضون عليها غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46].
اللهم انصر الحق وأهله واخذل الباطل وحزبه ....