لعلك باخع نفسك
يبكي ذلك القلب حين يرى شابا تهزمه الفتنة، أو شابة تنهشها الوحدة، أو رجلا يقهره الظلم، أو امرأة يغلبها القهر، أو عجوزا يُعْوِزُه الفقر، أو عجوزة يَحْزُنُها النكران.
- التصنيفات: أعمال القلوب -
كتب الأستاذ/هاني مراد
إنه ذلك القلب الرؤوف؛ يكاد يهلك نفسه حرصا على إيمان غيره. ذلك القلب المتألق؛ يشرق بنور حبه على آفاق العالمين!
إنّ نبضات هذا القلب الأمين لتكاد تقتلعه من صدره، فزعا من أن تزل قدم بعد ثبوتها، أو أن تضل فكرة بعد سطوعها، أو أن يذوب يقين بعد رسوخ، أو أن يلوّث ضمير بعد نقاء.
يبكي ذلك القلب حين يرى شابا تهزمه الفتنة، أو شابة تنهشها الوحدة، أو رجلا يقهره الظلم، أو امرأة يغلبها القهر، أو عجوزا يُعْوِزُه الفقر، أو عجوزة يَحْزُنُها النكران.
ويودّ صاحب هذا الضمير الحيّ لو اقتطع من جسده، بل لو أفنى جسده وروحه، كي يوقظ الضمائر الغافية، أو يستنقذ النفوس الساهية، أو يحفظ نور الإيمان حياً في القلوب، سليما من مكر الشيطان وكيده.
ولأن صاحب هذا القلب النقي لا يلقى إلا العنت والصلف والمقاساة، ولا يرقّ له أحد، فقد جاءت تلك التسلية الربانية بهذا الأسلوب الرقيق: " {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} " فلو شاء تعالى لأنزل عليهم معجزة، أخضعت كبراءهم، وأذلت كبرياءهم، لكنه تعالى يريد اختبارهم.
ولأن المؤمنين يقفون الموقف ذاته، ويتجشمون العناء نفسه، فإن هذه الآيات تسلية لهم، ألّا يسكبوا العبرات قهرا أو حزنا، لأن الأمر كله لله.