فوائد من كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية (1-2)

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

ويوجد في القسم الأول فوائد نفسية, ينبغي للعبد المسلم أن يتأملها, وأن يوقن أن ما يعمله في هذه الدنيا, سوف يجد مثله في آخرته, في قبره, وفي عرصات القيامة

  • التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن مصنفات العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى كتابه الموسوم بـ " اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية " وهو اسم على مسمى فقد أغار على المعطلة الجهمية الذين ضلوا في مسألة علو الله جل جلاله على خلقه, واستوائه على عرشها سبحانه, فأقام الأدلة من الكتاب, وأقوال الرسل عليه السلام, ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وأقوال الصحابة رضي الله عنهم, وأقوال التابعين وتابعيهم وأقوال الأئمة والعلماء رحمهم الله, الدالة على علو الله جل جلاله على خلقه واستوائه على عرشه سبحانه.

والكتاب قسمان: القسم الأول: تحدث فيه عن بعض المسائل التي جعلها كالمقدمة للكتاب, والقسم الثاني: وهو صلب الكتاب, وهو مسألة علو الله عز وجل.

ويوجد في القسم الأول فوائد نفسية, ينبغي للعبد المسلم أن يتأملها, وأن يوقن أن ما يعمله في هذه الدنيا, سوف يجد مثله في آخرته, في قبره, وفي عرصات القيامة: عند وزن الأعمال, والمشي على الصراط, وعند قسمة الأنوار, وعند ورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم وقد اخترت شيئاً منها أسأل الله الكريم أن ينفع بها ومنها

حال من كان مستوحشاً مع الله, ومن كان قرير العين به

من كان مستوحشاً مع الله بمعصيته إياه في هذه الدار فوحشته معه في البرزخ, ويوم المعاد أعظم وأشدّ, ومن قرَّت عينه به في هذه الحياة الدنيا قرت عينه به يوم لقائه عند الموت ويوم البعث, فموت العبد على ما عاش عليه, ويبعث على ما مات عليه, ويعود عليه عمله بعينه فينعم به ظاهراً وباطناً, أو يعذب به ظاهراً وباطناً.

 القلب الحي والقلب الميت:

القلب الحي المستنير هو الذي عقل عن الله, وفهم عنه, وأذعن, وانقاد لتوحيده ومتابعة ما بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم, والقلب الميت المظلم الذي لم يعقل عن الله ولا انقاد لما بُعث به رسوله صلى الله عليه وسلم, ولهذا يصف سبحانه هذا الضرب من الناس بأنهم أموات غير أحياء, وبأنهم في الظلمات لا يخرجون منها, ولهذا كانت الظلمة مستولية عليهم من جميع جهاتهم, فقلوبهم مظلمة ترى الحق في صورة الباطل, والباطل في صورة الحق, وأعمالهم مظلمة, وأقوالهم مظلمة, وأحوالهم كلها مظلمة, وقبورهم ممتلئة عليهم ظلمة.

الخارجون عن طاعة الرسل عليهم السلام يتقلبون في عشر ظلمات:

الخارجون عن طاعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ومتابعتهم يتقلبون في عشر ظلمات:

ظلمة الطبع, وظلمة الجهل, وظلمة الهوى, وظلمة القول, وظلمة العمل, وظلمة المدخل, وظلمة المخرج, وظلمة القبر, وظلمة القيامة, وظلمة دار القرار, فالظلمة لازمة لهم في دورهم الثلاث.

الظلمة نوعان:

الظلمة نوعان: ظلمة مستمرة لم يتقدمها نور, وظلمة حادثة بعد النور, وهي أشد الظلمتين وأشقهما على من كانت حظه, وظلمة المنافق ظلمة بعد إضاءة, فمُثلت حاله بحال المستوقد للنار الذي حصل في الظلمة بعد الضوء, وأما الكافر فهو في الظلمات لم يخرج منها قط.

الناس قسمان: أهل الهدى والبصائر, وأهل الجهل والظلم:

الناس قسمان:

أهل الهدى والبصائر, الذين عرفوا أن الحق فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله, وأن كل ما عرضه فشبهات يشتبه على من قلّ نصيبه من العقل والسمع أمرها, فيظنها شيئاً له حاصل ينتفع به وهي:  {كسراب بقيعةٍ يحسبُهُ الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب * أو كظلماتٍ في بحرٍ لُجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يدهُ لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور} [النور:39-40] 

وهؤلاء هم أهل الهدى ودين الحق, أصحاب العلم النافع والعمل الصالح الذين صدّقوا الرسول صلى الله عليه وسلم في أخباره ولم يعارضوها بالشبهات, وأطاعوه في أوامره, ولم يضيعوها بالشهوات, فلا هم في علمهم من أهل الخوض الخراصين الذين هم في غمرة ساهون, ولا هم في عملهم من المستمتعين بخلاقهم الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون.

أضاء لهم نور الوحي المبين, فرأوا في نوره أهل الظلمات في ظلمات آرائهم يعمهون, وفي ضلالتهم يتهوكون, وفي ريبهم يترددون, مغترين بظاهر السراب, ممحلين مجدبين مما بعث الله تعالى به رسوله من الحكمة وفصل الخطاب, إن عندهم إلا نخالة الأفكار, وزبالة الأذهان, التي قد رضوا بها واطمأنوا إليها, وقدموها على السنة والقرآن, إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه, أوجبه لهم اتباع الهوى ونخوة الشيطان, وهم لأجله يجادلون في آيات الله بغير سلطان.

القسم الثاني: أهل الجهل والظلم الذين جمعوا بين الجهل بما جاء به, والظلم باتباع أهوائهم, الذين قال الله تعالى فيهم:  { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطانٍ إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفُسُ ولقد جاءهم من ربهم الهُدى}  [النجم:23] وهؤلاء قسمان:

أحدهما: الذين يحسبون أنهم على علم وهدى, وهم أهل جهل وضلال, فهؤلاء أهل الجهل المركب الذين يجهلون الحق ويعادونه ويعادون أهله, وينصرون الباطل ويوالونه ويوالون أهله وهم يحسبون أنهم على شيء ألا أنهم هم الكاذبون, فهم لاعتقادهم الشيء على خلاف ما هو عليه بمنزلة رائي السراب الذي يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً, فهكذا هؤلاء أعمالهم وعلومهم بمنزلة السراب الذي يخون صاحبه أحوج ما هم إليه....وصارت تلك الشبهات الباطلة التي كان يظنها علوماً نافعة كذلك هباءً منثوراً, فصارت أعماله وعلومه حسرات عليه.

القسم الثاني من هذا الصنف: أصحاب الظلمات, وهم المنغمسون في الجهل بحيث قد أحاط بهم من كل وجهٍ, فهم بمنزلة الأنعام, بل هم أضل سبيلاً, فهؤلاء أعمالهم التي عملوها على غير بصيرة, بل بمجرد التقليد واتباع الآباء من غير نور من الله.

 {كظلمات}  جمع ظُلمة, وهي ظلمة الجهل, وظلمة الكفر, وظلمة الظلم واتباع الهوى, وظلمة الشك والريب, وظلمة الإعراض عن الحق الذي بعث الله تعالى به رسله صلوات الله وسلامه عليهم, والنور الذي أنزله معهم ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور, فإن المعرض عما بعث الله تعالى به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق يتقلب في خمس ظلمات: قوله ظُلمة, وعمله ظُلمة, ومدخله ظُلمه ومصيره إلى الظُّلمة, فقلبه مظلم, ووجهه مظلم, وكلامه مظلم, وحاله مظلم