بين التحذير والإنكار ، والتماس الأعذار !
أحمد قوشتي عبد الرحيم
وحينما تشيع ظاهرة خطيرة مثل الانتحار ، فإن الخطاب العام والأنفع الذي ينبغي أن يقدم لعموم الناس : هو خطاب الترهيب والتخويف والتحذير الشديد منها
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
الحكمة هي : فعل أو قول ما ينبغي ، في الوقت الذي ينبغي ، على الوجه الذي ينبغي ، ومن شروط البلاغة الأساسية : مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، وقد يغلب على ظن المتكلم أن خطابا ما يضر أكثر مما ينفع فيتركه ، أو أن الإلحاح على جانب أفضل من غيره فيذكره ويسكت عن غيره ، وكل ذلك منوط بالمصلحة وتحقيق النفع ، ودرء المفاسد ، والجمع بين بيان الحق والرحمة بالخلق .
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا سأله : هل لمن قتل مؤمنا توبة؟، فقال: لا إلا النار، فلما ذهب الرجل ، قال جلساء ابن عباس له : ما هكذا كنت تفتينا، كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمنا توبة مقبولة، فما بال اليوم؟ قال: «إني أحسبه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا» قال: فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك " رواه ابن أبي شيبة في المصنف 5 / 435
وفي هذا الأثر من ابن عباس رضي الله عنه درس مهم جدا في أنه يجب على المفتي أو الداعية ، أو من يتصدر لمخاطبة جماهير الناس أن يراعي أحوالهم ، وطباعهم ، والآفات الشائعة فيما بينهم ، وكيفية فهم كلامه ، ووقعه على الناس ، وإمكان إساءة استعماله ، وحمله على محمل خاطئ .
وحينما تشيع ظاهرة خطيرة مثل الانتحار ، فإن الخطاب العام والأنفع الذي ينبغي أن يقدم لعموم الناس : هو خطاب الترهيب والتخويف والتحذير الشديد منها ، وبيان تحريمها تحريما قاطعا ، وأنها من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ، وأن الشريعة قد توعدت صاحبها بالخلود في نار جهنم ، وتحريم الجنة عليه ، وأن على أهل الفضل ألا يصلوا الجنازة على المنتحر من باب الإنكار على فعله والزجر لغيره .
نعم الصحيح عند أهل السنة أن المنتحر ليس خارجا من الملة ، ولا مخلدا في النار إن مات على الإسلام ، وأنه في مشيئة الله ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، لكن هذا الخطاب إنما يكون في مقام التحرير العلمي والعقدي لحكم المنتحر وبيان مصيره الأخروي والإنكار على من كفره .
أما إذا استسهل الناس أمر الانتحار ، وبدأ يتحول لظاهرة ، وتعللوا بالضغوط الشديدة ، وصعوبة الحياة ، والمشاكل الاجتماعية والأسرية والنفسية ( طالما لم تخرج المكلف عن حد العقل والتكليف ) وظنوا أن الانتحار هو الحل ، فحينئذ لابد من تغليب :-
- الترهيب على الترغيب .
- والتغليظ على اللين .
- وإبقاء النصوص على عمومها وإطلاقها ، دون التفصيل والتقييد .
- والإنكار على الفعل والفاعل أكثر من التماس الأعذار .
- وتحذير الموجودين أكثر من التعاطف والترحم على المنتحرين .
وبالطبع فإن كل ما سبق لا ينفي وجود أسباب مجتمعية واقتصادية وسياسية وأسرية وأخلاقية وراء هذه الظاهرة ، لابد من بحثها ، وإيجاد حلول لها ، وأن الجميع مسئولون كل بحسبه ، لكن الكلام السابق هو عن الجانب الشرعي فحسب .