هل كان إبراهام لينكون مسلما كما ادعى الترباني؟
عبد الرحمن ضاحي
وفي وسط تلك التفاصيل وجدت كتابا للأستاذ جهاد الترباني بعنوان (العظماء المائة) وقد ضم معهم (إبراهام لينكون) وقد سماه (الرئيس الأمريكي المسلم)!
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
أثناء تحضيري لبحث الماجيستير والذي أتحدث فيه عن العطاء الفكري لمالكولم إكس ومنهجه الإصلاحي تطرقت في أوله لسرد قصة العبودية في الولايات المتحدة كمدخل تاريخي للرسالة في محاولة لربط الأحداث وتحليلها بشكل متكامل، وفي خلال البحث تطرقت إلى قصة نهاية العبودية والتي كان شخص الرئيس الأمريكي (إبراهام لينكون) بارزا فيها كزعيم للمعسكر الشمالي في الحرب الأهلية التي اندلعت عام (1861)م.
وفي وسط تلك التفاصيل وجدت كتابا للأستاذ جهاد الترباني بعنوان (العظماء المائة) وقد ضم معهم (إبراهام لينكون) وقد سماه (الرئيس الأمريكي المسلم)! ، وقد سرد بعض الأدلة التي بنى أغلبها دون دليل على إسلامه منها أن أصوله أندلسية، ومنها أن اسمه إبراهام وهو قريب من إبراهيم، كما أن ملامحه عربية وإسلامية! وأنه أول رئيس في الولايات المتحدة يطلق لحيته ويجز شاربه!!
كما استنتج الترباني أن قرار لينكون بتحرير العبيد كان انتقاما من النصارى بشكل غير مباشر كون أجداده من مهجري الأندلس (الموريسكيون)، والانتقام يتمثل في افتراضه أن أغلب العبيد في الولايات المتحدة كانوا من المسلمين - وهذا أيضا قد ذكر بلا دليل- ، كما ذكر أن لينكون كان يتخفى بإسلامه بحجة أن مصير ملايين الأفارقة معلقا بين يديه مفترضا أنه لينكون قد قرأ قصة النجاشي وإخفاءه إسلامه لحماية المسلمين المهاجرين!!
كنت أرجو من الأستاذ جهاد أن يتبنى تلك الآراء استنادا على دلائل علمية، ولكن للأسف لم يذكر دليلاً واحداً بنى عليه تلك الأدلة، وقد ذكر ذلك في أول كلامه عن (لينكون) أن كلامه مفتقرا لأدوات البحث العلمي، فكان من الأمانة عدم عرضه على عقول شباب الأمة حتى يقتدوا بمجرم يتخفى بستار الإنسانية كـ(لينكون)، كما أن بيان إجرام ذلك الـ (لينكون) سوف يستدعي مراجعة جميع كلامك عن الشخصيات الأخرى التي ذكرت في الكتاب، أضف إلى ذلك أن تاريخنا مليئ بالقدوات الصالحة ولا نحتاج إلى استعارة بعض الرموز الغربية الفاسدة ومحاولة تلميعها، فكان الأولى استبداله بقدوة مسلمة حقا، لا تدور حولها الشكوك.
هل لينكون مجرم حقا؟
تبحرت في التفاصيل عن الحرب الأهلية وقصة إنهاء العبودية بعد الحرب، إلى أن وصلت لنتائج أبرزها أن قرار إلغاء العبودية كان قرارا استراتيجيا بامتياز وذلك لكونه سيمثل ضربة قوية لاقتصاد ولايات الجنوب حيث كانت تعتمد بشكل كبير على العبيد في زراعة القطن، وكانت زراعة القطن من الأنشطة التجارية ذات الربحية العالية في تلك الولايات، كما أن محصول القطن الجنوبي كان يشكل ثلاثة أرباع المحصول العالمي، حيث كان القطن أهمّ صادرات البلد وأهم مصدر للتجارة الدولية.[1]
كما أن إعلان لينكون ذلك القرار قبل الحرب شجع الكثير من العبيد إلى الانضمام إلى المعسكر الشمالي والذي بالتالي سيعمم ذلك القرار في حال انتصاره، حتى قال جيمس مكفيرسون[2] أن الشمال لم يكن لينتصر في الحرب الأهلية لولا الجنود السود، وأضاف أن روح القتال لدى الجنود السود أثرت على زملائهم من البيض، وقد شاركت 140 كتيبة من السود من ولايات الشمال، وفي مناطق الجنوب خدم حوالي 180 ألف أفريقي أمريكي داخل قوات الاتحاد[3].
فدوافع لينكون كانت عسكرية بالمقام الأول وكانت همها الأول إنقاذ الولايات المتحدة من الانقسام واتخذت ورقة تحرير العبيد كستار لحربهم على الولايات الجنوبية التي كان قرار إلغاء العبودية بالنسبة لها يمثل لها شلل تام بسبب اعتمادها على الزراعة، فدافع إلغاء العبودية ليس من دافع إنساني خالص ولكن كان عسكريا لإرغام الجنوب على الرضوخ لجيش الاتحاد الشمالي.
ولإبراهام لينكولن عدة اعترافات تفيد بأن هدفه من الحرب كان سياسيا وهو الحفاظ على أراضي الولايات المتحدة من الانقسام بعيدا عن أي هدف إنساني وهو تحرير العبيد، ففي
أغسطس 1862م قال لينكون في رده على رسالة من الصحفي هوريس غريلي محرّر جريدة (نيويورك تريبيون) يقول فيه : (هدفي الأساسي من هذا الصراع هو إنقاذ الاتحاد، ليس هدفي لا إنقاذ العبودية أو تدميرها…ما أقوم به تجاه العبودية والعرق الملوّن لا أقوم به إلا إيمانًا بأنه سيساعد في إنقاذ الاتحاد) ، وكتب لينكون في عام 1863: (يدّعي أعدائي أنني أشنّ هذه الحرب لهدف وحيد وهو إلغاء العبودية)، ثمّ أتبع قائلًا: (ما دمت أنا الرئيس، ستُشنّ هذه الحرب لهدفً واحد وهو استرجاع الاتحاد، ولكن ليست هنالك أيّ قوة بشريّة بإمكانها إخضاع هذا التمرّد بدون سياسة تحرير وكلّ سياسة أخرى اتخذناها بقصد إضعاف روح المتمرّدين المعنوية وإضعاف قوّتهم الفيزيائية). [4]
وكانت للينكون نفسه تصريحات عنصرية تتناقض كليا مع هدفه المعلن من الحرب، فيقول في إحدى خطاباته أمام الكونجرس : (سأقول، فإنني لم ولن أكون في جانب إحداث مساواة اجتماعية وسياسية بأي شكل بين العرقين الأبيض والأسود وأنا لم ولن أكون أبداً في جانب جعل الناخبين أو أعضاء هيئة المحلفين من الزنوج، ولا تأهيلهم لمسك المكاتب ولا لتزويجهم بالبيض، وسأقول بالإضافة لهذا إن هناك فرقا جسديا بين العرق الأبيض والعرق الأسود والذي أؤمن أن بسببه سيمنع إلى الأبد الحياة المشتركة بين العرقين من نواحي المساواة الاجتماعية والسياسية وأنا وكأي رجل آخر أفضل أن يكون منصب الرئاسة بيد العرق الأبيض).[5]
وفي اجتماعٍ أقامه لينكون مع قياديّين سود في أواخر أغسطس 1862، ناشدهم ليدعموا هجرةَ طوعية، قائلًا: (ليست هنالك مساواة لأي رجلٍ من عرقكم مع أي رجلٍ من عرقنا) ..
خيّب الرئيس آمال الإلغائيين بشدّة. على سبيل المثال، وينديل فيليبس وهو أحد رواد خطباء الإلغائيين البيض وقد وصف لينكون بعد كلامه ذاك بأنه (متعثّر، أعرج، مراوغ، متردّد، ضعيفٌ ومخبول).[6]
كل تلك الشواهد تدل على أن راية تحرير العبيد، استخدمها جيش الاتحاد في حربه على الولايات الجنوبية في الحرب الأهلية كوسيلة وليست هدفا في ذاتها، تحسن بعدها وضع السود إلى حد ما، لكن ليس بالحد الذي المرجو من تلك الحرب التي كان يظن الجميع أنها ستقضي على العنصرية بشكل نهائي ، وقد لخص العبد السابق توماس هول وضع السود بعد الحرب الأهلية قائلا : (لقد حاز لينكون الثناء لتحريرنا، ولكن هل حقا حررنا؟ لقد منحنا الحرية دون أن يمنحنا أية فرصة كي نعيش لأنفسنا وكان لا بد أن نعتمد على الرجل الأبيض كي نحصل على العمل والغذاء والملبس ومن ثم فقد أبقانا لينكون تحت ضغط الحاجة والعوز في حال لا يفضل كثير على العبودية)[7].
كل تلك الشواهد توضح أن لينكون ليس شخصا مسلما كما ادعى الأستاذ الترباني، كما أنه شخص مختل عنصري لا يصلح أن نعرضه لأبناء أمتنا كقدوة، بل علينا كشف خبثه ودهاءه، ويجب علينا استصحاب الدليل طالما اتصل الأمر بالتاريخ خاصة، أسأل الله أن يهديني ويهدي الأستاذ جهاد لما فيه الخير والرشاد.
[1] Black Liberation and Socialism, ahmed shawki, 2006,haymark etbox, chapter of civil war
[2] مؤرخ وأستاذ جامعي من الولايات المتحدة الأمريكية.
[3] أحرار في النهاية ، مكتب برامج الإعلام الخارجي، وزارة الخارجية الأمريكية 2008 ، ص17.
[4] Black Liberation and Socialism, ahmed shawki, 2006,haymark etbox,chapter of (civil war), p56.
[5] ( الحلم والتاريخ) مئتا عام من تاريخ أمريكا، كلود جوليان، ترجمة نخلة كلاس ، ص266، طلاس للدراسات والترجمة والنشر – دمشق
[6] Black Liberation and Socialism, ahmed shawki, 2006,haymark etbox,chapter of (civil war), p56.
[7] التاريخ الشعبي للولايات المتحدة ، هوارد زن، ترجمة شعبان مكاوي، ص316 ، الجزء الأول ، المجلس الأعلى للثقافة (القاهرة).