تذكّر أيّها الظالم
لا تظلمنّ إذا ما كُنتَ مقتدراً *** فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ *** يدعو عليك وعينُ الله لم تنمِ
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
أبوأنس-حسين بن سعيد الحسنية
تذكّر أيّها الظالم : قول الله تعالى في الحديث القدسي: " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً "، فالظلم حرام، يزيد من السيئات، ويمحو من الحسنات، ويخفض من الدرجات، وينقص من الباقيات الصالحات، ويعيش صاحبه الهم، ويذيقه المُرَّ، ويحبسه في محبس الآلام والمعاناة، والظلم يمحو البركة ، ويسوَّد الوجه، ويعكّر الصفو، ويفسد المزاج، ويقلق الأعصاب، ويطرد النوم، ويسلب الراحة، ويتعب النفس، ويجهد الأطراف، ويغلق أبواب الخير، ويفتح أبواب الشر، ويجرّ إلى ظلمات أخرى متعددة، ويسبب الظلم أيضاً حب الدنيا والتعلّق بها، والميل إلى ركنها الوهين، ويكرّه في الآخرة والموت، ويخوّف منها، ومن الخاتمة السيئة.
تذكّر أيّها الظالم أولئك الذين ظَلَموا من الأقوام السابقة، والملل البائدة، أين ذهبوا؟ ما هو مصيرهم؟ على أيّ شيء نذكرهم؟ النمرود، وفرعون، وهامان؟ أين عاد، وثمود، وأصحاب الأيكة، وأهل الفيل؟ لقد سكنوا قبورهم مرهونون بأعمالهم، بعد أن ملأوا الأرض ظلماً وجوراً.
فلا تغتر أيّها الظالم بصحتك، ولا جاهك، ولا مالك، ولا ولدك، ولا لسانك، ولا دهاءك، ما دمت ظالماً، فكل ذلك يذهب مع آخر نفس لك في هذه الدنيا، ولا يبقى معك إلا ظلمك للناس، وعدوانك عليهم، وتعديك على أحوالهم، وذواتهم.
تذكّر أيها الظالم أن عاقبة الظلم وخيمة، وإن لم تستعجلك في الدنيا، فأقرأ ما أعدّه الله لك ولإخوانك الظلّمة، يقول تعالى: " {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } "، وقال تعالى: " {يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} "، وقال عليه الصلاة والسلام: " الظلم ظلمات يوم القيامة "، أرأيت حجم الموعود الحق لك أيها الظالم؛ إذا استمرأت في ظلمك واستمريت في غيّك وعدوانك؟.
تذكّر أيّها الظالم أن الناصر لمن ظلمت هو الله جل وعلا، فإذا دعتك قدرتك على غيرك، فتذكر قدرة الله عليك، وقد نقل عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: " إني لأستحي من الله أن أظلم من لا يجد عليّ ناصراً إلا الله "، ومن كان ناصره الله فلا يذل، ولا يخاف، ولا يهان، ولا ينهزم، وفي المقابل فإن الظالم هو المدحور المنهزم، حتى لو ظهر له أنه علا أو ارتفع، أو انتصر بالعدوان والتعدي على غيره، فهو كذلك بظلمه ففي النهاية هو الخاسر الذليل، وكل باب له في النهاية مسدود، وكل خير منه مؤود، وإن زيّن له الشيطان هذا الظلم، قال تعالى: " {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } ".
ومن الذل والمهانة التي يجدها الظالم أيضاً، أنه يُحرم من الهداية والتوفيق، قال تعالى: " {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } " وكذلك الظالم مستحق للعنة من رب العزة والجلال، قال تعالى: " {هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ".
ومن خسارة الظالم أيضاً، حرمانه من شفاعة محمد عليه الصلاة والسلام، وشفاعة من يأذن الله له بالشفاعة يوم القيامة، قال تعالى: " {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} ".
تذكّر أيّها الظالم أن بعد المتعة شقاء، وبعد الصولة والجولة لقاء، وبعد العناد والفساد داء، وبعد التمرد والعصيان حسرة وبكاء، " { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا . لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا } ".
تذكّر أيّها الظالم أن من نتائج ظلمك وتعديك كثرة الجور والطغيان، وزرع الحقد والكراهية، وبناء النعرات والخلافات، وانتشار لغة الأنا، والحديث عن الذات، والانتصار للنفس، واعجاب كل أحد برأيه، ووجهة نظره، وإن كانت على باطل أو فساد، وكل ذلك بين أبناء الأسرة الواحدة، أو المجتمع المتماسك، أو البلد والوطن المستقر، وأنت أيها الظالم أحد أفراده.
تذكّر أيّها الظالم دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، فيا خسارتك إذا سَرَت تلك الدعوات إلى رب الأرض والسموات، وهي تستهدفك وتستهدف صحتك، أو مالك، أو ولدك، أو دنياك بشكل عام، حتى إذا ما أصابتك تذكرت ظلمك، واسترجعت طغيانك وتجلّى ندمك وحسرتك، ولا ينفع حينها تلك الدمعات ولا الحسرات؛ لأن الأمر قد انقضى، والدعوات قد استجيب لصاحبها المظلوم.
لا تظلمنّ إذا ما كُنتَ مقتدراً *** فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ *** يدعو عليك وعينُ الله لم تنمِ