حمَّى التعرِّي
سهام علي
ومما يثير الدهشة والعجب هو أن حمى التعرِّي أو ما يشبه التعري التي تهدف إلى محاربة الحياء وقتله وإشاعة الفاحشة التي تتمثل في ضيق اللباس والتصاقه بالجسد لم تعد قاصرة على النساء فحسب وإنما امتدت إلى الرجال كذلك وإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}[الأعراف:26]
بدأت الآيات بذكر نعمة الله الكبرى على عباده، ألا وهي ستر السَّوْءة أو العورة بقوله تعالى: {أنزلنا}، فالإنزال يكون عادة للأمر الجلل سواء من النعم أو النقم. ثم تأتي الآية التالية :
قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [ الأعراف 27].
بادئ ذي بدء {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ} حيث أنها من فخاخ الشيطان الذي وجد أن نزع السِّتر هو أبشع انتقام يشفي غيظه وغليله من آدم وبنيه، فهتك ستره وكشف عورته يجعل منه مسخًا وأضحوكة، شأنه شأن الحيوانات التي جُردت من الحياء ومن الفهم، وقصة الشيطان مع آدم وزوجه معروفة عندما قام بغوايتهما وتحريضهما على الأكل من الشجرة المحرمة، وهو يعي جيدًا النتيجة الحتمية المأساوية لهذه الفعلة، ولم يذكر القرآن أي عقوبة سابقة على هذا الوضع المهين الذي حاصرهما عندما انكشفت عوراتهما فكان ذلك بمثابة أول عقاب على المعصية، فالخالق سبحانه الذي جبل الإنسان على الفطرة السليمة جعل هذا الأمر المنفر جزاءً وفاقًا لما اقترافاه من مخالفة أمر الله .
فآدم وزوجه كانا يسكنان الجنة ينعمان ويمرحان دون هم أو كدر، فكان أول أنواع الهم والكدر وهما ما زالا في الجنة ولم يخرجا منها إلى الأرض هو نزع الستر بدليل قوله تعالى : {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [ طه 121].
فالعقوبة العاجلة التي أخرجتهما مما كان فيه من النعيم الكامل الذي لا تشوبه شائبة هو ذاك المنظر الفاضح الذي جعل من مقتضيات قَبول توتبهما أن يمن الله عليهما بما يسترهما.
وبالرغم مما نراه من هول القصة لمن يتأملها بدليل كلمة {طفقا} الذي يوحى بالإسراع والارتباك والحرج الشديد بالرغم من ذلك كله؛ نجد فى أيامنا هذه منافسة محمومة على التعري بشكل صادم حتى أصبحت المشكلة الأساسية أمام كل إنسان ملتزم هو هذه الملاحقة بالصور العارية كلما تعرض لإحدى الشاشات سواء رغب في معرفة الأخبار أو الإطلاع على معلومة ثقافية فيشعر بالذنب بعد أن يصاب بالإحباط بسبب كل هذا الانتكاس في الفطرة، وبعد أن كانت الاهتمامات في معظم الأحوال موجهة نحو خدمة البشرية اُهدر الكثير منها في معركة استثارة الغرائز وكيفية إشباعها وما تبعه من تقهقر حقيقى في الفكر الأخلاقي حتى أن الملتزمين أصحاب الهوايات المختلفة كما ذكرنا آنفا يجدون أنفسهم محاصرين بهذا الكم من الصور الخليعة ولو ضربت مثلًا بنفسى كهاوية للتصميم والخياطة لم أعد أجد في مشاهدة عروض الأزياء في الشاشات المختلفة إلا مزيدًا من ارتكاب الآثام هذا بخلاف حبي لبعض العروض الرياضية والتي يحجبنى عنها كذلك الأزياء المخلة بالحياء.
ومما يثير الدهشة والعجب هو أن حمى التعرِّي أو ما يشبه التعري التي تهدف إلى محاربة الحياء وقتله وإشاعة الفاحشة التي تتمثل في ضيق اللباس والتصاقه بالجسد لم تعد قاصرة على النساء فحسب وإنما امتدت إلى الرجال كذلك وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وإن كان للإعلام الذي أصبح لليهود فيه بصمة مسيطرة والتي تصب دائمًا في اتجاه اشعال الغرائز لجنى الثروات الهائلة التي تحاول عن طريقها حكم العالم؛ فأين نحن المسلمين الذين استطعنا السيطرة يومًا على العالم بالفعل عن طريق الفكر الراقي الذي بنى أعظم حضارة إنسانية عرفها التاريخ ؟!
وآلمني وآلم كل حر .... سؤال الدهر : أين المسلمونا ؟