فوائد مختارة من بعض كتب الإمام ابن الجوزي 1-2

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

وقد اطلعتُ على بعض كتبه المطبوعة, وعلى ما يوجد في بعضها من أخطاء, فيوجد فيها فوائد كثيرة, وقد انتقيت شيئاً منها, أسأل الله الكريم أن ينفع بها, ويبارك فيها.

  • التصنيفات: طلب العلم -

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن أكثر العلماء المتقدمين تصنيفاً وتأليفاً الإمام ابن الجوزي رحمه الله, فهو صاحب تصانيف كثيرة, في فنون عديدة, قال الإمام الذهبي رحمه الله: صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والوعظ والأخبار والتاريخ وغير ذلك, وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: جمع المصنفات الكبار والصغار.

وقد طبع له أكثر من خمسين كتاباً, كما ذكر ذلك الدكتور أحمد بن عثمان المزيد في مقدمة تحقيقه لكتابه " تلبيس إبليس "

وقد اطلعتُ على بعض كتبه المطبوعة, وعلى ما يوجد في بعضها من أخطاء, فيوجد فيها فوائد كثيرة, وقد انتقيت شيئاً منها, أسأل الله الكريم أن ينفع بها, ويبارك فيها.  

كلمات تدور على الألسنة جاء القرآن بألخص منها وأحسن:

الأمثال: حكمة العرب, وفي القرآن ثلاثة وأربعون مثلاً, وكم من كلمة تدور على الألسنة مثلاً, جاء القرآن بألخص منها وأحسن.

فمن ذلك قولهم: القتلُ أنقى للقتل.

مذكور في قوله تعالى:  {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة:179]

وقولهم: ليس المُخبر كالمعاين.

مذكور في قوله تعالى: {وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]

وقولهم: ما تزرع تحصد.

مذكور في قوله تعالى:  {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا  } [النساء:110]

وقولهم: الحمية رأس الدواء.

مذكور في قوله تعالى:   {وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا }[الأعراف:31]

وقولهم: من جهل شيئاً عاداه.

مذكور في قوله تعالى:   {بَل كَذَّبوا بِما لَم يُحيطوا بِعِلمِهِ }[يونس:39]

وقولهم: خير الأمور أوساطها.

مذكور في قوله تعالى: {وَلا تَجعَل يَدَكَ مَغلولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطها كُلَّ البَسطِ} [الإسراء:29]

وقولهم: لا تلد الحيّة إلا حية.

مذكور في قوله تعالى: { ولَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا } [نوح:29]

أشدُّ الآيات على أهل العلم:

قال الله عز وجل: { لَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلـكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَترُكهُ يَلهَث ذلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ } [الأعراف:176]

 { وَاتَّبَعَ هَواهُ}  والمعنى أنه انقاد لما دعاه إليه الهوى, وهذه الآية من أشدِّ الآيات على أهل العلم إذا مالوا عن العلم إلى الهوى.

من جهِل شيئاً عاداه:

قيل لسفيان بن عيينه: يقول الناس: كل إنسان عدو ما جهل, فقال: هذا في كتاب الله, قيل: أين؟ فقال: { بَل كَذَّبوا بِما لَم يُحيطوا بِعِلمِهِ} [يونس:39] وقيل للحسين بن فضل: هل تجد في القرآن من جهل شيئاً عاداه ؟ فقال: نعم, في موضعين, قوله: { بَل كَذَّبوا بِما لَم يُحيطوا بِعِلمِهِ }  وقوله: { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } [الأحقاف:11]

احترق لأنه دعا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحترق:

قال الله عز وجل: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ } [المائدة:58] قال السدي:كان رجل من النصارى بالمدينة إذ سمع المنادي بنادي: أشهد أن محمداً رسول الله, قال: حُرِق الكاذب, فدخلت خادمه ذات ليلة بنارٍ وهو نائم, وأهله نيام, فسقطت شرارة فأحرقت البيت, واحترق هو وأهله.

المشاورة:

من فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح أمره, علم أن امتناع النجاح محض قدر, فلم يلم نفسه, ومنها: أنه قد يعزم على أمر, فيتبن له الصواب في قول غيره, فيعلم عجز نفسه على الإحاطة بفنون المصالح. قال على رضي الله عنه: الاستشارة عين الهداية, وقد خاطر من استغنى برأيه.

قال بعض الحكماء: ما استنبط الصواب بمثل المشاورة, ولا حُصنت النعم بمثل المواساة, ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر.   

العاقل يعرف حق المحسن ويجتهد في مكافأته:

غير خاف على عاقلٍ لزوم حق المُنعم, ولا منعم بعد الحق سبحانه على العبد كالوالدين, فقد حملت الأم بحمله أثقالاً كثيرة, ولقيت وقت وضعه مزعجات مثيرة, وبالغت في تربيته وسهرت في مدارته, وأعرضت عن جميع شهواتها لمراداته, وقدَّمته على نفسها في كل حال, وقد ضم الوالد إلى تسببه في إيجاده, ومحبته بعد وجوده, وشفقته في تربيته الكسب له والإنفاق عليه, والعاقل يعرف حق المحسن ويجتهد في مكافأته.

وجهل الإنسان بحقوق المنعم من أخسِّ صفاته, فإذا أضاف إلى جحد الحق المقابلة بسوء الأدب, دلّ على خُبث الطبع, ولُؤم الوضع, وسوء المنقلب, وليعلم البار بالوالدين أنه مهما بالغ في برهما لم يفِ بشكرهما.

وبرهما يكون بطاعتهما فيما يأمران به ما لم يأمرا بمحظور, وتقديم أمرهما على فعل النافلة, واجتناب ما نهيا عنه,..والإنفاق عليهما, والمبالغة في خدمتهما, واستعمال الأدب والهيبة لهما,..ويصبر على ما يكرهه مما يصدر عنهما. قال بعض الحكماء لا تصادق عاقاً فإنه لن يبرك وقد عقَّ من هو أوجب حقاً منك عليه

قتل قابيل لهابيل:

في هذه القصة تحذير من الحسد, لأنه الذي أهلك قابيل.

قال بعض الحكماء: كل أحد يمكن أن ترضيه إلا الحاسد, فإنه لا يرضيه إلا زوال نعمتك, وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد, حزن لازم, وعقل هائم, وحسرة لا تنقضي.

الإمام أحمد بن حنبل:

العلم والعمل بحمد الله في أمتنا فاش كثير, غير أني بحثت عن نائلي مرتبة الكمال في الأمرين- أعنى العلم والعمل- من التابعين ومن بعدهم, فلم أجد من تم له الأمرين على الغاية التي لا يخدش وجه كمالها نوع نقص, سوى ثلاثة أشخاص: الحسن البصري, وشفيان الثوري, وأحمد بن حنبل. 

وقد جمعت كتاباً يحوى مناقب الحسن, وكتاباً يجمع فضائل سفيان, ثم رأيت أحمد بن حنبل أولى بذلك منهما لأنه جمع من العلوم ما لم يجمعا, وحمل من الصبر على إقامة الحق ما لم يحملا....فرأيت أن أصرف بعض زمني إلى تهذيب كتاب يشتمل على مناقبه وآدابه, ليعرف المقتدي قدر من اقتدى به.

ثلاثة أغراض من أجلها ألّف كتابه " الأذكياء "

أحدها: معرفة أقدراهم بذكر أحوالهم. [أي الأذكياء]

الثاني: تلقيح لباب السامعين إذا كان فيهم نوع استعداد لنيل تلك المرتبة, وقد ثبت أن رؤية العاقل ومخالطته تفيد ذا اللب, فسماع أخباره تقوم مقام رؤيته.

قال يحيى بن أكثم سمعت المأمون يقول لإبراهيم: لا شيء أطيب من النظر في عقول الرجال.

الثالث: تأديب المعجب برأيه إذا سمع أخبار من تعسر عليه لحاقه والله الموفق

كتاب "إحياء علوم الدين " للغزالي:

اعلم أن في كتاب " الإحياء " آفات لا يعلمها إلا العلماء, وأقلها الأحاديث الباطلة الموضوعة والموقوفة, وقد جعلها مرفوعة, وإنما نقلها كما اقتراها لا أنه افتراها, ولا ينبغي التعبد بحديث موضوع, والاغترار بلفظ مصنوع.

وكيف أرتضى لك أن تصلى صلوات الأيام ولياليها, وليس فيها كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 

توبة ابن عقيل من مذاهب المبتدعة والاعتزال:

ثم دخلت سنة خمس وستين وأربعمائة, فمن الحوادث فيها: أنه حضر أبو الوفاء ابن عقيل الديوان ومعه جماعة من الحنابلة واصطلحوا....وكانت نسخة ما كتب به ابن عقيل خطه, ونسب إلى توبته:

بسم الله الرحمن الرحيم, يقول علي بن عقيل بن محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى, من مذهب المبتدعة والاعتزال وغيره, ومن صحبة أربابه, وتعظيم أصحابه, والترحم على أسلافهم, وما كنت علقته, ووجد خطي به من مذاهبهم وضلالاتهم, فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته, وأنه لا تحل كتابته ولا قراءته ولا اعتقاده, وأني..اعتقدت في الحلاج أنه من أهل الدين, والزهد, والكرامات, ونصرت ذلك في جزء عملته, وأنا تائب إلى الله تعالى منه, وأنه قُتِل بإجماع فقهاء عصره وأصابوا في ذلك, وأخطأ هو, ومع ذلك فإني استغفر الله تعالى, وأتوب إليه من مخالطة المبتدعة, والمعتزلة, وغيرهم, ومكاثرتهم, والترحم عليهم, والتعظيم لهم, فإن ذلك كله حرام, ولا يحل لمسلم فعله.