كنيـســة سـيدلتش أو الجذور المسيحية لأوروبا!

زينب عبد العزيز

متى حاد المسلمون عن دينهم، حاق بهم ما حاق، كما حدث لهم في الأندلس وغيرها.

  • التصنيفات: اليهودية والنصرانية -

 

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


فى زمن تمت فيه شيطنة الإسلام والمسلمين حتى الغثيان، من جهة، ومن جهة أخرى تتم عملية تنصير العالم بصورة هيستيرية وبإلحاح أكمه، إعتمادا على عبارة "الجذور المسيحية لأوروبا"، بغية تكوين إتحاد أوروبى طائفى متعصب، باستبعاد ثمانية قرون من الإسهام الحضارى الإسلامى الذي لا شك فيه، فلولاه لما خرجت أوروبا من عصور الظلمات، والعمل على استبعاد الوجود الإسلامى الحالى للمسلمين، فمن المنطقى بداهةً إلقاء نظرة خاطفة على هذه الجذور المسيحية المزعومة ومكوناتها..

ما من أحد يجهل إلى اى مدى يكشف الكتاب المؤسس لدين ما ويحدد، في نفس الوقت، تصرفات الأمة وهويتها.. لذلك من المفيد تأمل بعض النماذج الرئيسية التي يحتوي عليها الكتاب المقدس بعهديه لتوجيه أتباعه:

• " (...) وصعد الشعب إلى المدينة كل رجل مع وجهه وأخذوا المدينة وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وإمرأة. من طفل وشيخ. حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف". (يشوع 6: 20ـ21).
• " وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب" (يشوع 6 : 24 ).
• " يفرح الصدّيق إذا رأى النقمة. يغسل خطواته بدم الشرير" (مزامير 58 : 10) ، وفى الطبعة الفرنسية لسنة 1986 الصادرة عن الفاتيكان نطالع : " يفرح العادل برؤية الإنتقام : ويغسل أقدامه فى دم الكافر" ، أما فى الطبعة العربية لسنة 1671 فكانت : "يفرح الصدّيق اذا ما أبصر الانتقام، ويغسل يديه بدم الخاطئ" ! وسواء غسل يديه أو غسل أقدامه فذلك يكشف عن مدى الفرحة والتشفي بقتل الآخر..

• " فالآن إذهب واضرب عماليق وحرّموا كل ما له ولا تعف عنهم بل إقتل رجلا وإمرأة. طفلا ورضيعا. بقراً وغنما. جملا وحماراً " (صموئيل أول 15: 3).
• " وقال لأولئك فى سمعى أعبروا فى المدينة وراءه واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا. الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء إقتلوا للهلاك " (حزقيال 9: 5).
• فالآن إقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل إمرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر إقتلوها. لكن جميع الأطفال من نساء اللواتى لم يعرفن مضاجعة ذكر ابقوهن لكم حيّات " (عدد 31:17-18).
• " كل من وُجد يُطعن وكل من انحاش يسقط بالسيف. وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم ونساءهم " (إشعياء 13: 15-16). وهو ما يطبقة الصهاينة بجدارة فى حق الفلسطينيين ومرتزقة "الجي آيز" في العراق!

أما يسوع المسيح، الذي يصر البابا بنديكت 16 على فرضه كإله، على العالم أجمع، وفرض مسيحية لا يعرف المسيح عنها شيئا، فمن الغريب أن نرى البابا يوم 6/7/2008 يستشهد فى إحدى مواعظه بصورة إنتقائية ليتغنى "بطيبة قلب يسوع وتواضعه الجمّ"، بينما الأناجيل التى صاغتها مؤسسته تجعله يقول:
• "أما أعدائى أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا وذبحوهم قدامى" (لوقا 19: 27)!
ويا لوحشية العبارة التى تجعل من أحد أنبياء الله شخصا إنتقاميا قاسيا يستمتع بالنظر إلى ذبح أعدائه أمام عينيه!
وبخلاف هذه الأمثلة المأخوذة عشوائيا، هناك استشهادات تكشف عن معطيان فى آن واحد، هما: مدى القسوة فى التعامل مع من يغزون بلده أو يحتلونه، وعملية تحريف النصوص "المقدسة"، كما يبدو من الآية التالية كنموذج صارخ:
• " والشعب الذين كانوا فيها أخذهم ونشرهم بالمناشير وداسهم بنوارج حديد وقطعهم بالسكاكين وأجازهم بقمين الآجاجر كذلك صنع بجميع قرى بنى عمون" (صموئيل ثانى 12: 31، فى طبعة سنة 1671).. وقد تم تعديل الآية للتخفيف من بشاعتها اللا إنسانية لتصبح فى طبعة 1966 كالآتي: "واخرج الشعب الذي فيها ووضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفئوس حديد وأمّرهم فى آتون الأجُر وهكذا صنع بجميع مدن بنى عمون"، ومن الواضح التمويه على عمليات التعذيب.. أما فى طبعة بايار الفرنسية لعام 2001، فقد تحول النص إلى ما يلي: " وأخذ غنائم كثيرة من المدينة واستأذن سكانها ليعملوا على المناشير والنوارج والفئوس لتعيينهم على قمائن الطوب"!! أى أنهم من ضحايا يتم نشرهم بالمناشير ودهسهم بموارج الحديد وتقطيعهم بالسكاكين وحرقهم فى قمائن الطوب، تم تحويلهم إلى عمال وموظفين بعد استئذانهم!!

فهل من الممكن التعامل بنصوص تم فرضها حتى مجمع ترانت فى القرن السادس عشر على أن "الله هو المؤلف الوحيد لها" وتم فرض هذا القرار حتى مجمع الفاتيكان الثاني الذي أعلن أن بتلك النصوص "ما هو قديم وبالي".. أى أن بها ما هو غير صالح؟
وهناك جمل أكثر كشفا لهؤلاء القوم حينما نرى الإله يهوا يدفع أتباعه إلى ألا يقتلوا فحسب وإنما إلى أن يتحولوا إلى أكلة لحوم بشر! وذلك هو ما قامت به فعلا فرق "جنود المسيح" في الحروب الصليبية، وفقا لما قاله المؤرخ الفرنسي لانونيم الذي كان معاصرا للحملة الصليبية الأولى.
وتقول الجملة: " وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما فى المدينة كُلْ غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك" (تثنية 20: 14-16). وكلمة "غنيمة" هنا في النص العربى طبعة 1966 محرفة للتخفيف من بشاعتها، إذ كانت فى طبعة 1671 " كُلْ من سلب أعدائك"، أى يأكل من الأعداء الذين أسَرَهُم، أما النص الفرنسى فنجد كلمة: dépouilles، وتعنى جثث الموتى، أى كُل من جثث موتى أعدائك الذين ضربتهم بحد السيف!

وهو ما توارثته المؤسسة الكنسية التي تبدو مصّرة على إضفاء صورة سادية على من قامت بتأليهه فى القرن الرابع، فإن كنا نطالع فى الأناجيل المتواترة صياغة مضغمة يطالب فيها يسوع حوارييه بأكل لحمه وشرب دمه، ففى إنجيل يوحنا نطالعها بوضوح لا ريب فيه:
• " فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير. لأن جسدى مأكل حق ودمى مشرب حق. من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىّ وأنا فيه" (6: 53-56). وبذلك تم فرض الإفخارستيا أو ما يسمونها المناولة، حتى اليوم!
ولا نملك إلا التعجّب لفارق صورته فى القرآن الكريم، حيث نراه نبيا مفوضا أمره لرب العزة، ومبلّغا رسالة التوحيد بالله، كسائر الأنبياء والرسل!

وما من أحد يجهل اليوم مدى المجازر التى يحتوي عليها الكتاب المقدس بصورة مرعبة الوحشية مصحوبة بأوامر الهدم والتدمير والإبادة أو اقتلاع السكان، وهي مجازر لا إنسانية، لا يضاهيها أو لا يتفوق عليها إلا ما يفعله جنود المارينز الأمريكان فى أفغانستان والعراق ليفرضوا ما يطلقون عليه "الديمقراطية"، بمساعدة المبشرين الذين يواكبونهم. وذلك يتم على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، المتحضر، لكن يبدو أن ذلك المجتمع قد تشرب تعاليم نصوصه المقدسة حتى الثمالة.. فبضعة الأصوات التى ترتفع للإحتجاج تتوقف عند ذلك فحسب، فقد تشبعوا بالشيطنة الإعلامية ضد الإسلام والمسلمين حتى النخاع، وكأنهم يحتجّون كلاما لمجرد راحة ضمائرهم، ولكن ما من قرار حاسم فعّال يصدر يمكنه وقف هذه المجازر طالما من يتم حصدهم مسلمون تمت شيطنتهم مع سبق الإصرار!

وهناك مثال أكثر وضوحا من تلك النصوص ويشهد على الجذور المسيحية لأوروبا، وهي كنيسة سدليتس في كوتنا هورا بالجمهورية التشيكية. أنها كنيسة مزدانة بعظام أكثر من أربعين ألفا من القتلى فى معارك الحروب الدينية. والذين يعرفون التاريخ، تكفيهم الإشارة إلى تلك الحقيقة الدامغة التى تكشف إلى أى مدى تم فرض المسيحية فى أوروبا وفى العالم بحد السيف. وذلك إضافة إلى كل ما تضمه الكتب التاريخية أو النقد من صفحات وقرون دامية..

وسواء أكانت عظاما لمسلمين جلبها الصليبيون معهم، كما يقول البعض، أو عظاما لبروتستانت نتيجة لحروب الإبادة التى خاضتها الكنيسة ضد أتباع يان هسّ، فهى جثث لآدميين تم حشّهم فعلا بحد السيف! وقد كان يان هسّ عميدا لكلية اللاهوت فى براغ، ويرفض صكوك الغفران التى كانت الكنيسة تبيعها لتكفير الذنوب، ويرفض الإفخارستيا، والبزخ الصارخ فى زي البابوات والكادر الكنسي، ويتهم الكنيسة بالابتعاد عن تعاليم يسوع.. فأدين فى مجمع كونستانس عام 1414 وتم حرقه حيا على أنه هرطقى وابادوا الآلاف من أتباعه آنذاك..
ويا لها من نصوص وقصص تاريخية فاضحة تلك الجذور المسيحية لأوروبا، والتى تمخضت كل محصلتها عن الآلة الكنسية-السياسية-الأمريكية الحالية، القائمة على اقتلاع الآخر بوحشية لا مثيل لها فى التاريخ، ويفخرون بذلك، كما أعربت وزيرة الخارجية الأمريكية فى يوليو 2008، لتعلن فخرها بأنهم إحتلوا العراق وذبّحوا أهله باليورانيوم المخضب والقنابل العنقودية وكافة أسلحة الدمار الشامل بدلا من حد السيف! وياله من فخر وحشي المعنى..

ألم يحن الوقت، بعد ألفا عام تقريبا من التاريخ الدامى لفرض المسيحية، أن تترك الكنيسة الشعوب في حالها، دون محاولة إقتلاعها من أرضها ومن دينها، وليفهم هؤلاء القادة المتعصبون أن يسوع، كما تقول الأناجيل، "لم يأت إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة" (متّى 15: 24)، وليس لتنصير العالم.. وأن الثالوث المزعوم الذي يستخدمونه كتبرير لتنصير العالم قد تم تأليفه وفرضه فى مجمع القسطنطينية عام 381، وأن نجده مكتوبا فى نصوص يقولون إنها كُتبت فيما بين أعوام 70 و120م، فإن ذلك يصرخ ويجأر بالتزوير والتحريف وبالأكاذيب التي ألفوها، فالسيد المسيح "قُتل" كما يقولون في سنة 30، أو 33.. والفرق بين التاريخين يثبت ان هذه الأناجيل كتابة بشر ولا يعرف عنها السيد المسيح أي شيء.. يا لها من جذور دامية قائمة على الزيف والبغضاء، يتمسكون بها ويقتلعون من أجلها ملايين المسلمين!