وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام بكتاب الله عز وجل-2
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
ومن الوصية به: تعاهده بالقراءة فيجعل له حزبًا مُعينًا من القرآن، يقرؤه كل يوم بحيث يختمه كل ثلاثة أيام أو أسبوع أو عشرة أيام، أو في الشهر مرتين أو مرة واحدة في الشهر، فإن ضعف فليختم كل أربعين يومًا؛ كما ورد عن بعض السلف.
- التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة -
ومن الوصية به: الاستماع والإنصات إليه؛ قال الله سبحانه وتعالى: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأعراف: 204]، ومن استمع إليه بقلبه كان ذلك سببًا لرحمته، وخشوع قلبه، ونزول السكينة والهدوء عليه.
ومن الوصية به: تعلُّمه وتعليمه للغير؛ فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَه» [أخرجه البخاري].
ومن الوصية به: تعاهده بالقراءة فيجعل له حزبًا مُعينًا من القرآن، يقرؤه كل يوم بحيث يختمه كل ثلاثة أيام أو أسبوع أو عشرة أيام، أو في الشهر مرتين أو مرة واحدة في الشهر، فإن ضعف فليختم كل أربعين يومًا؛ كما ورد عن بعض السلف.
لقد عمل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصيته، فعملوا رضي الله عنهم بالقرآن الكريم، قولًا وعملًا:
ففي حادثة الإفك تكلَّم ناسٌ في أمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، منهم مسطح بن أثاثة، وكان رجلاً فقيراً ذا قرابة لأبي بكر، وكان أبو بكر ينفق عليه من ماله، فلما تكلَّم في عائشة، قال أبو بكر: والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال في عائشة، فأنزل الله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُم وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: بلى والله، إنِّي أُحِبُّ أن يغفر الله لي، فرجع فأنفق على مسطح، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا.
واستأذن الحرُّ بن قيس لابن أخيه عينه بن حصن بن حذيفة أن يدخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فأذن له فلما دخل، قال: هي يا بن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر رضي الله عنه، حتى همَّ به، فقال له الحرُّ: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيِّه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، فما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله.
وهناك أمور يعملها بعض الناس ليست من وصية رسول الله بالقرآن:
منها: أن يتبرَّك به بوضعه في البيت والسيارة دون القراءة فيه وتدبُّره والعمل به، فهذه صورة من صور هجره، واستعماله في غير ما أنزل له.
ومنها: تزينه وتحليته بالذهب والفضة، رأى ابن مسعود رضي الله عنه مصحفًا قد زُيِّنَ بالذهب، فقال: إن أحسن ما زُيِّن به المصحف تلاوته بالحق، وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا رأى الْمُصحف قد فُضِّض أو ذُهِّب، قال: أتغرُّون به السارق، وزينتُه في جوفه.
ومنها: اتخاذ تلاوته وسيلةً لنيل حظوظ دنيوية، من مال أو جاهٍ.
ومنها: قراءته بألحان أهل الفسق والفجور.
ومنها: قراءته على الأموات، وعند زيارة المقابر، والقراءة به في المآتم والعزاء.
إن من أخذ بهذه الوصية وعمِل بها، فهو المغبوط الذي نال سعادة الدارين، فحصلت له الحياة الطيبة في دنياه، فاطمأنَّ قلبُه، وارتاحت نفسُه، وسلم مما يُصاب به الناس من قلق واضطراب، وأمراض وعقد نفسية، ووساوس، ونحوها؛ قال الشيخ عبدالله بن محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: سألت أبي [العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب التفسير: أضواء القرآن في تفسير القرآن بالقرآن]: ما الذي يطرد وساوس الشيطان؟ فقال: التدبُّر في كتاب الله.
وختامًا فهنيئًا لمن كانت حياته في تعلُّم القرآن وتعليمه، وسخَّر أمواله في ذلك.
فالتاجر الصالح والمحسن الكبير محمد يوسف عبدالرحيم سيتهي، منَّ الله عليه بالمال الصالح، فوضعه في حقِّه، وقدَّم لآخرته، فأسَّس جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في العالم الإسلامي في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري.
والشيخ قارئ محمد عبدالماجد ذاكر رحمه الله (ت 1431) كبير المدرسين بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم - أمضى نحو خمسين عامًا في تحفيظ القرآن، تخرَّج على يديه كثيرٌ من الحُفَّاظ الذين أصبح لهم مكانتهم في المجتمع؛ يقول رحمه الله: أيها المسلمون، إن كلام الله تعالى هو مُلين القلوب القاسية، ومقوِّم الطرق المعوجَّة، إنه الضامن للبشرية السعادة الأبدية، ما قاد سلفنا الصالح العالم بأسْرِه إلَّا بفضل الله، وبالتمسُّك بحبل الله المتين وتطبيقه بفعل الأوامر واجتناب النواهي، إن ما حصل لسلفنا الصالح بالأمس من التمكين سيحصل لنا اليوم بإذن الله إذا نحن سرنا على نهجهم، أيها المسلمون، ها هو القرآن يُناديكم أن تعالَوا لتسودوا العالم إذا تمسَّكتُم بتعاليمي.
رحم الله الشيخ رحمة واسعة، وأسكنه فسيح وأعلى جنَّاته، فقد ذكر أن القرآن الكريم مُلين القلوب القاسية، وكيف لا تلين والجبال الصُّلْبة لو أُنزِل عليها لخشعت مُتصدِّعة من خشية الله؛ كما قال الله عز وجل: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}[الحشر: 21]، فمن قرأ القرآن الكريم، أو استمَع إليه بقلب حاضر، فسيلين قلبُه وتدمع عينُه، فقد دمعت أعين حيوانات لما سمِعت آيات القرآن الكريم، فقد ذكر الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم بن قاسم، ومحمد زياد بن عمر التكلة، في كتاب: ترجمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز: أن الشيخ العلامة عبدالله بن بكر بن مطير البكر رحمه الله، حفظ القرآن في سنٍّ مبكِّرة من عمره، وكان حسن الصوت بالقرآن، ومن أخباره في ذلك أنه سافر مرة من الزلفى إلى الرياض على الإبل، وفي إحدى جلسات الراحة شرع في تلاوة القرآن، ورفع صوته بذلك، فما كان من الإبل التي حوله إلا أن توقَّفَتْ عن الأكل، ورفعت أعناقها، وإذا بالدموع تفيض من عيونها....تُوفِّي بتاريخ 27 /9 /1373هـ.
اللهم اجعلنا ممن تَلين قلوبُهم عندما نقرأ ونستمع لكتابك، واجعلنا ممن يأخذ بوصية رسولك عليه الصلاة والسلام، ويعمل بكتابك، فالقرآن يُستغنى به عن كل شيء، ولا يُستغنى بشيءٍ عنه أبدًا.