تذكير العباد بنعم المنعم وشكرها

كيف تشكر نعمة المأكل والمشرب؟
يكون في شكر الله وحمده عليها، وأكل الحلال واجتناب الحرام منها، وعدم الإسراف، وإطعام الجائع والضيف والصدقة منها.

  • التصنيفات: التقوى وحب الله -


بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فهذه رسالة في التذكير بنعم المنعم سبحانه وتعالى؛ قال جل ذكره: ﴿  {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}  ﴾ [البقرة: 231].
أولًا: نعمة الإسلام:
إن أجلَّ نعمة على الإطلاق هي نعمة الإسلام والإيمان، وأنك رضيتَ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا ونبيًّا، وهذه النعمة هي السعادة الأبدية السرمدية في الدنيا والآخرة، وهي أم النعم؛ قال تعالى: ﴿  {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}  ﴾ [يونس: 58]؛ ذكر الإمام الطبري في تفسيره على هذه الآية أقوال السلف: أن فضله الإسلام، ونعمته القرآن.
ومن المعلوم أن الله لا يقبل عمل عامل إلا بشرط الإسلام؛ قال الله تعالى: ﴿ { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ﴾ [آل عمران: 85]، وهي نعمة الدخول في الجنة والنجاة من النار.
وأعظم المصيبة هي مصيبة الدين؛ فهي أعظم من المصيبة في المال والبدن ومصائب الدنيا؛ لذلك من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((... «ولا تجعل مصيبتنا في ديننا» ))؛ [رواه الترمذي]، ويروى في الأثر[1]: ((دينك دينك، إنما هو لحمك ودمك)).
كيف تشكر نعمة الإسلام؟
شكر نعمة الإسلام يكون بالعمل به وتطبيقه، والائتمار بأمره والانتهاء عن نهيه، ونشره، ونصرته ونصرة أهله.
ثانيًا: نعمة السنة:
ويلي نعمة الإسلام نعمة الهداية إلى السنة والنجاة من البدعة؛ قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: "ما فرحت بشيء من الإسلام أشد فرحًا بأن قلبي لم يدخله شيء من هذه الأهواء"؛ [شرح أصول الاعتقاد للالكائي (١٣١/١)].
وقال مجاهد: "ما أدري أي النعمتين عليَّ أعظم: أن هداني للإسلام، أو عافاني الله من الأهواء"؛ [مقدمة سنن الدارمي (٩٢/١)].
وقيل للإمام أحمد: "أحياك الله يا أبا عبدالله على الإسلام، قال: والسنة"؛ [مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص: ٢٤٣)].
♦ فعليك أن تحمد الله دائمًا على النجاة من بدع الخوارج والمرجئة والجهمية والرافضة، ومن كل الأهواء.
♦ كيف تشكر نعمة السنة؟
وشكرها يكون باتباع السنة واجتناب الأهواء والبدعة، والدعوة إلى السنة والجماعة، والنهي عن البدعة والفرقة، ونصرة السنة وأهلها.
ثالثًا: نعمة صحة البدن:
وهي نعمة الصحة والعافية، وهي أعظم نعمة بعد نعمة الإسلام والسنة، وهي خير من نعمة الثراء؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه: «لا بأس بالغِنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم» [أخرجه ابن ماجه].
فأنت تتقلب في نعم الله ليل نهار، فأنت تمشي على الأرض، فكم من أناس لا يمشون وأنت تتحرك! فكم من أناس لا يتحركون وعلى الأسرة البيضاء يتأوهون! وأنت تسمع وتبصر فكم من أناس لا يسمعون ولا يبصرون! وأنت وأنت... فهل تعطينا بصرك بكنوز الدنيا؟ فقل: الحمد لله الذي فضلني على كثير من عباده تفضلًا.
ويتأمل العبد حتى في نعمة إخراج الفضلات من الجسم؛ جاء في [شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي (٤٣٤/٢)] في ترجمة الخليفة هارون الرشيد رحمه الله تعالى ما نصه: "دخل ابن السماك على الرشيد، فاستسقى الرشيد ماءً، فقال له ابن السماك: بالله يا أمير المؤمنين، لو مُنعت هذه الشربة بكم تشتريها؟ قال: بملكي، قال: لو منعت خروجها، بكم كنت تشتريها؟ قال: بملكي، فقال: إن ملكًا قيمته شربة ماء لجديرٌ ألَّا يُنافَس عليه".
♦ كيف تشكر نعمة الصحة والعافية؟
ويكون باستعمال هذه الصحة والعافية في الطاعة ونصرة الحق، لا في المعصية والإثم، واستعمالها بما يرضي الله تعالى، اليد لا تبطش إلا بما يرضي الله، والرجل لا تمشي إلا إلى ما يرضي الله، والعين لا تنظر إلا إلى ما يرضي الله، والأذن لا تسمع إلا ما يرضي الله، وهكذا جميع البدن يكون في مرضاته سبحانه وطاعته.
رابعًا: نعمة المأكل والمشرب:
ومن نعم الله على عباده نعمة الطعام والشراب، فهي قوام حياة الإنسان ومصدر قوته وطاقته، وغذاء بدنه، وهي أنواع كثيرة، وهذا من فضل الله ومنته على عباده؛ قال تعالى: ﴿  {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}  ﴾ [قريش: 3، 4]، وقال تعالى: ﴿  {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}  ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال سبحانه:
﴿  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}  ﴾ [البقرة: 172].
♦ كيف تشكر نعمة المأكل والمشرب؟
يكون في شكر الله وحمده عليها، وأكل الحلال واجتناب الحرام منها، وعدم الإسراف، وإطعام الجائع والضيف والصدقة منها.
أخيرًا: في أن نعم الله تعالى لا تعد ولا تحصى:
نعم الله سبحانه وتعالى على العباد لا تحصى؛ قال تعالى: ﴿  {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}  ﴾ [النحل: 18]؛ قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: "﴿  {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّه} ﴾ عددًا مجردًا عن الشكر   {لاتُحْصُوهَا}    فضلًا عن كونكم تشكرونها، فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات، من جميع أصناف النعم مما يعرف العباد، ومما لا يعرفون، وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن تحصى، ﴿  {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}  ﴾ [النحل: 18] يرضى منكم باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير".
ونسأله سبحانه حمده وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.