فيروس كورونا: وصايا وتنبيهات
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
هذا الوباء له أسباب, قال الله عز وجل: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فبعد مضي أشهر من بداية هذا العام الهجري (1441) قدرّ الله جلت قدرته وعظم سلطانه أن يصاب العالم بفيروس, عُرِفَ باسم: "كورونا" يمرض ويعدي ويقتل, ووقف العالم بكل ما يملك من: تقنية علمية, وتقدم طبي, ومراكز أبحاث, عاجزاً حائراً, لم يعرف على وجه الدقة أسباب هذا الوباء, ولم يستطيع أن يوجد له علاجاً, ولم يتمكن أن يوقف انتشاره وتمدده, فأُصيب الكثير من الناس في كل الدول بالخوف, والرعب, والهلع, والجزع, وظهر ضعف الإنسان, قال الله عز وجل: { وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا } [النساء:28]
هذا الوباء له أسباب, قال الله عز وجل: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] فقد أذاق الله عز وجل الناس بعض أعمالهم, وهذا من رحمة الله سبحانه, فإنه لو أذاق الناس جميع ما كسبوا من ذنوب ومعاصي, ما ترك على ظهرها من دابة, فالحمد والشكر والثناء له, على ما قدر ولطف, ونسأله أن يكون ذلك سبباً في إنابتنا إليه, فمن حكمة البلاء أن يرجع العباد لربهم, وقد أشار الله عز وجل إليه, بقوله في الآية السابقة: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة. فعلينا أن نتوب إلى الله, فالباب مفتوح, والتوبة مقبولة, ولم يبق إلا مجاهدة النفس, فمن رحمة الله الكريم أن أمر عباده بالتوبة, قال سبحانه:{وتوبوا إلى اللـه جميعًا}[النور:31] ووعدهم القبول, قال عز وجل: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} [الشورى:25]نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا
وهذه بعض الوصايا والتنبيهات, أسأل الله الكريم أن ينفع بها:
* على المسلم أن يحسن الظن بالله عز وجل فيما يراه ويسمعه من أحداث, قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "يجب عليك أن تحسن الظن بالله عز وجل فيما يفعله سبحانه وتعالى في هذا الكون, وأن تعتقد أن ما فعله إنما هو لحكمه بالغة قد تصل العقول إليها وقد لا تصل, وبهذا تتبين عظمة الله وحكمته في تقديره"
وعلي المسلم أن يحذر من سوء الظن بالله, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم, وفيما يفعله بغيرهم, ولا يسلمُ من ذلك إلا من عرف الله وأسمائه وصفاته, وموجب حكمته وحمده, فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا, وليتب إلى الله ويستغفره من ظنه بربه ظنَّ السوءِ.
* على المسلم أن يأخذ بالأسباب التي تقيه من المرض, لكن لا يعلق قلبه بها, بل يكون قلبه معلقاً بالله عز وجل: {وَإِن يَمسَسكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلّا هُو} [يونس:107]
قال العلامة السعدي:يجب على العبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور
أحدها: أن لا يجعل منها سبباً إلا ما ثبت أنه سبب شرعاً وقدراً.
ثانيها: أن لا يعتمد العبد عليها, بل يعتمد على مسببها ومقدرها, مع القيام بالمشروع منها, وحرصه على النافع منها.
ثالثها: أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره ولا خروج لها عنه, والله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء, إن شاء أبقى سببيتها جارية على مقتضى حكمته ليقوم بها العباد ويعرفوا تمام حكمته حيث ربط المسببات بأسبابها والمعلولات بعللها, وإن شاء غيرها كيف يشاء لئلا يعتمد عليها العباد وليعلموا كمال قدرته, وأن التصرف المطلق والإرادة المطلقة لله وحده., فهذا هو الواجب على العبد في نظره وعمله بجميع الأسباب.
* إذا أخذ المسلم بالأسباب, ثم أُصيب بالمرض, فعليه أن يسلم لقضاء الله وقدره, فهو شيء كتبه الله عليه قال سبحانه وتعالى {قُل لَن يُصيبَنا إِلّا ما كَتَبَ اللَّـهُ لَنا} [التوبة:51] ومن سلم لقضاء الله وقدره فليبشر بكل خير, قال عز وجل {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:12]قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي من أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره, فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله.عوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه, ويقيناً صادقاً,وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيراً منه.
* على المسلم أن يحذر من كيد الشيطان, فإنه حريص في كل وقت وفي هذه النازلة, أن يدخل الحزن عليه, قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا } [الحشر:10] فينبغي عدم الاستسلام لما يوسوس به الشيطان من أوهام, ومن تهويل للأمور وتكبير لها, حتى لا يكون المسلم فريسة للهموم والغموم والأحزان, بل عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان, وأن يجاهد نفسه في طرد تلك الوساوس, والأوهام.
* علينا جميعاً الحرص على أداء الصلاة بخشوع, مع المحافظة على أركانها وواجباتها وشروطها وسننها, فهذه الصلاة تحفظ صاحبها فلا يُصاب بالهلع والجزع, كما يحدث لغيره, قال الله سبحانه وتعالى:{إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } [المعارج:19-22] قال العلامة السعدي رحمه الله: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } أي: مداومون عليها في أوقاتها, بشروطها, ومكملاتها, وليسوا كمن لا يفعلها, أو يفعلها وقتاً دون وقت, أو يفعلها على وجه ناقص.
* علي المسلم الحذر من القنوط من رحمة الله, فلا يفعل ذلك إلا ضال, قال الله عز وجل: {وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضّالّونَ} [الحجر:56] قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: القنوط: أشدّ اليأس,...والمعنى لا يقنط من رحمه الله إلى الضالون, والضال: فاقد الهداية, التائه الذي لا يدري ما يجب لله سبحانه,...فالقنوط من رحمه الله لا يجوز, لأنه سوء ظن بالله عز وجل: وذلك من وجهين:
الأول: أنه طعن في قدرته سبحانه, لأن من علم أن الله على كل شيء قدير لم يستبعد شيئاً على قدرة الله.
الثاني: أنه طعن في رحمته سبحانه, لأن من علم أن الله رحيم لا يستبعد أن يرحمه الله سبحانه, ولهذا كان القانط من رحمة الله ضالاً.
*مما يوصى به في هذه النازلة, وفي جميع الأوقات: كثرة الاستغفار باللسان والأفعال,, فهو من أسباب دفع العذاب ورفعه, قال عز وجل: {وَما كانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم وَما كانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ} [الأنفال:33]
* وعلينا من الإكثار من الدعاء, والتضرع إلى الله, القوي العزيز, أن يرفع عنا وعن جميع المسلمين هذه النازلة وما ينتج عنها من أضرار على العباد والبلاد, والله رحيم كريم لطيف بالعباد, فقوم يونس عليه الصلاة والسلام لما أيقنوا بعذاب الله, فروا إلى الله, خوفاً من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم, بعد ما عاينوا أسبابه. قال الله عز وجل: { إلّا قَومَ يونُسَ لَمّا آمَنوا كَشَفنا عَنهُم عَذابَ الخِزيِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَمَتَّعناهُم إِلى حينٍ} [يونس:98] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: جأروا إلى الله واستغاثوا به, وتضرعوا له, واستكانوا, وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم, وسألوا الله أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم فعندها رحمهم الله وكشف عنهم العذاب وآخروا.
نسأل الله الكريم الرحيم أن يرفع عنا وعن جميع المسلمين هذا الوباء وأن يقي الجميع أضراره.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ