موجز في كيفية تعامل الإسلام مع الأزمات وضيق الصدر

ففي اللغة معناها يا الله ففيها النداء وذكر الله تعالى كما أنها بمعنى الإجابة كقولهم : اللهم نعم .
وحين تنطقها تتعلق اللام باللسان قليلا مما دل على تعلقك بالله وحده دون غيره عز وجل

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

وكتبه الفقير إلى ربه حامد الطاهر:
*********************************
1-الإسلام تنبع تشريعاته ووصاياه من منطلق ربوبية الله تعالى وعبودية الإنسان له ، وأن يتعامل العبد مع نفسه أنه عبد ويخضع لأحكام ربه مع الأخذ بالأسباب وهو التوكل الي يعتبر صلب عقيدة القضاء والقدر فلا يبادر العبد بتصرف شخصي بل ينظرإلى كون نفسه عبدا مربوبا .
فإذا نزل بساحة العبد بلاء أنزل نفسه منزلة الصبر .
وأنزل نفسه من ربه منزلة العبد بدعائه والتوسل إليه والاستغاثة به ، وقد حرص النبي عليه السلام على تعليم أصحابه دعاء الشفاء وسداد الدين والضالة والرقية وغيرها من الأدعية الصالحة إقرارا لهذه القاعدة.

2-ومن هنا رسخت الآيات القرآنية هذا المفهوم كقوله تعالى : ( {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)} [ النساء] ) .
وقوله عليه السلام : ( « إني عبد الله ولن يضيعني» ) .
فالعبد ضعيف والقوة لله الرحيم .
3- حرص الإسلام على تبيان حال الأنبياء من الوقوع في الأزمات وحرصهم على بث روح الأمل والنهي عن اليأس مهما كانت الورطة والأزمة :
وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) الحجر
( { إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) } [الحجر ] ) .
( {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ) [التوبة 41]
كما حرص القرآن على تبيان قرب الله للعبد : ( {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} [الأعراف ] )
{أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)} [البقرة]
{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} [ق]
والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه ( ولكن تدعون سميعا بصيرا أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) .
لئلا يذهل العبد عن ربه ويظن أنه قد تركه وحده أمام خضم الحياة وزخم البلاء .
كما حرص القرآن على تبيان قصر مدة البلاء بإشارة عجيبة : ( { أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) } [الحجر ] ) .
وسمى ما لقيه المسلمون من بلاء في يوم تبوك ( ساعة العسرة ) فالصبر مع البلاء دواء لأن البلاء مرحلة انتقالية غير مقيمة وثابتة .

4- بين الله تعالى أن الحياة قد خلقت لفتنة والاختبار والعسر واليسر والهزيمة والنصر وأنها لا تستمر على حال واحدة ( { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} [الشرح]
( { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)} [الطلاق] )
وجعل البلاء سنة في خلقه وعباده لا يخلو منها أحد ( {الم ﴿١﴾ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾} ) [العنكبوت ] فلست وحدك من ابتلي لأنها سنة كونية فلا تضيق الأرض بك .
وجعل لذلك آية من خلقه ( {وَجَعَلنَا اللَّيلَ وَالنَّهارَ آيَتَينِ فَمَحَونا آيَةَ اللَّيلِ وَجَعَلنا آيَةَ النَّهارِ مُبصِرَةً } ) . وجعل من التاريخ والأحداث عبرة ( { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿١٣٩﴾ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴿١٤٠﴾ وَلِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴿١٤١﴾ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٢﴾ } [آل عمران] .
5-وقرن الله تعالى صعوبة الحياة برحمته (لئلا ييأس أحد منها (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) سورة النساء ) .
وفي الحديث الإلهي :( إن رحمتي تسبق غضبي )
كما فتح باب التوبة للمسرفين ( {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٥٣﴾} [الزمر ] )
6-ساق القرآن عدة أحوال للمبتلين بالأزمات التي لا يقوم لها أحد ولا ينفع معها سبب بشري :
فسفينة نوح تجري في موج كالجبال ورغم ذلك ( {وَقالَ اركَبوا فيها بِسمِ اللَّـهِ مَجراها وَمُرساها إِنَّ رَبّي لَغَفورٌ رَحيمٌ ﴿٤١﴾ } [هود] ) .
ويونس في بطن الحوت ( فنجيناه )
وأيوب بمرضه الطويل الشديد ( فاستجبنا له )
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} (الأنبياء)

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) } (الأنبياء)
وولادة إسماعيل وإسحاق لإبراهيم على الكبر .
ووالدة يحيى بين أبوين شاخا وعجزت الأم العاقر .
ونجاة موسى أمام البحر ومن ورائه الجيش الفرعوني بضربة عصا .
7- علمنا الإسلام الدعاء والرغبة فيه وقرنه بالاستجابة وقربه تعالى :
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴿١٨٦﴾ } [البقرة]
{قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }   [غافر 60]
وفي سورة الأنبياء بعد ذكر كل نبي ومحنته : فاستجبنا له .
8-حرص القرآن على تعليم الناس الصحبة الصالحة ودور الأسرة في إذهاب اليأس والبأس :
فالوالد يعقوب عليه السلام يقول للأسباط : ( {يا بَنِيَّ اذهَبوا فَتَحَسَّسوا مِن يوسُفَ وَأَخيهِ وَلا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّـهِ إِلَّا القَومُ الكافِرونَ﴿٨٧﴾} [يوسف]
ونبي الله يوسف الأخ يقول لأخيه : {إِنّي أَنا أَخوكَ فَلا تَبتَئِس بِما كانوا يَعمَلونَ ﴿٦٩﴾} [يوسف ] .
ويقول لإخوته : {لا تَثريبَ عَلَيكُمُ اليَومَ يَغفِرُ اللَّـهُ لَكُم وَهُوَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ ﴿٩٢﴾} [يوسف ] .
وفي موضع اللقاء يقول معتذرا عنهم : {وَجاءَ بِكُم مِنَ البَدوِ مِن بَعدِ أَن نَزَغَ الشَّيطانُ بَيني وَبَينَ إِخوَتي إِنَّ رَبّي لَطيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ العَليمُ الحَكيمُ ﴿١٠٠﴾} [يوسف]
وموسى عليه السلام يرجو ربه رفقة أخيه هارون عليه السلام : ( {وَاجعَل لي وَزيرًا مِن أَهلي ﴿٢٩﴾ هارونَ أَخِي ﴿٣٠﴾اشدُد بِهِ أَزري ﴿٣١﴾ وَأَشرِكهُ في أَمري ﴿٣٢﴾ كَي نُسَبِّحَكَ كَثيرًا ﴿٣٣﴾ وَنَذكُرَكَ كَثيرًا ﴿٣٤﴾ إِنَّكَ كُنتَ بِنا بَصيرًا ﴿٣٥﴾ } [طه ] .
فلمثل هذا كانت الأخوة والصداقة .
9-ويظل النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه اللجوء إلى الله تعالى في ساعات الكرب والضيق والنوازل :
فيعلمهم الصلاة في وقت الخسوف أو الكسوف .
والاستسقاء ساعة انقطاع المطر
وحين يحاصر أبا أمامة الدين يعلمه الدعاء بقوله : ( اللهم )
وعجيب أمر الكلمة :
ففي اللغة معناها يا الله ففيها النداء وذكر الله تعالى كما أنها بمعنى الإجابة كقولهم : اللهم نعم .
وحين تنطقها تتعلق اللام باللسان قليلا مما دل على تعلقك بالله وحده دون غيره عز وجل
فما حاجتنا إلى اليأس والله ربنا وهذه تعاليمه ؟
#حامد_الطاهر