الأسباب الظاهرة والباطنة لرفع البلاء

وفي قرارة نفسك ردد أن ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيبني وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

الشيخ محمد السيد

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

أما بعد فيا أيها الإخوة الكرام لعل حديث الساعة في هذه الأيام قد اقتصر وقد انحصر حول ذلك الوباء الذي اجتاح العالم قبل أيام بسببه انقلبت الدنيا رأسا علي عقب

بسببه علقت زيارة البيت الحرام وأغلقت بيوت لله تعالي ونادي المنادي صلوا أيها الناس في رحالكم وأغلق صحن الكعبة بين يدي الطائفين والعاكفين ولا حول ولا قوة إلا بالله

وبسببه علقت الدراسة وبسببه أغلقت مطارات وقطعت علاقات وربما أغلقت أبواب رزق خشية علي أصحابها أن يصيبهم هذا الوباء وبسببه أيضا عطلت مجالس البطالين الذين يخوضون في أعراض العباد خشية الأذي نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصرفه عنا وأن يحفظنا جميعا منه
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

جاءنا هذا البلاء من حيث جاء لا نعوِّل علي ذلك كثيرا
فالكلام في هذا يطول والله يعلم الصادق من الكاذب لكنه علي كل حال أذي وآفة من الآفات حضرت وحضر معها صورة من صور يوم القيامة " { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } "
وباء وابتلاء في صورة مخلوق حقير ضعيف صغير لا يكاد يُري بالعين المجردة ينتقل من إنسان لآخر وينقل معه الأذي وربما نقل معه الموت

آفة من الآفات وباء وابتلاء في صورة مخلوق ضعيف لا يكاد يُري بالعين المجردة ومع ذلك كبّد العالم خسائر فادحة آلاف وآلاف من الأرواح حتى هذه الساعة تفيض إلي بارئها بسببه ملايين وملايين من الأموال تنفق علي مدار الساعة من أجل الوقاية منه وأبحاث وتجارب وأقوال وأعمال وتبقي النهاية أنه لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ .. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتغمدنا بواسع رحمته

ورد من دعوات النبي عليه الصلاة والسلام قوله " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ، وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي وَآمِنْ رَوْعَتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» "

هذا الوباء محنة قد تأتي علي الأخضر واليابس قد يموت بسببها خلق كثير قد تفلس بسببه دول كانت تعد نفسها دولا عظمي لا يقدر عليها أحد هذا الوباء رقم حقارته وضعفه وصغره إلا أنه كشفهم علي حقيقتهم فهم أوهن من بيت العنكبوت

قد يموت بسبب هذا الوباء خلق كثير وقد ينحسر هذا الوباء ويمر علينا مر الكرام لكنه مر أم لم يمر هذا الوباء وهذه المحنة وضعت أيدينا علي بعض الحقائق الهامة

من هذه الحقائق بيان طلاقة قدرة الله تعالي ..
الصانع العظيم سبحانه وتعالي الخالق الأوحد لكل صغيرة وكبيرة في هذا العالم والقادر الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السموات
ورد عند تفسير قول الله تعالي " {وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ } " أن الله تعالي خلق مِنْ أَنْوَاعِ السُّوسِ وَالدُّودِ والْحَشَرَاتِ وَالْهَوَامِّ فِي أَسَافِلِ الْأَرْضِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ مِمَّا لَمْ يَرَهُ الْبَشَرُ وَلَمْ يَسْمَعُوا بِهِ قال الله تعالي " وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ "

قلت ومع ضعف هذه المخلوقات ومع دقتها وهوانها إلا أن الإنسان العربي والعجمي والأبيض والأسود بعلمه ونفقاته وقوته وعدته وجبروته لا يقدر عليها بل ولا يملك معها إلا أن يدس رأسه في التراب

مع ضعف هذا المخلوق ومع دقته وهوانه
إلا أن أرسل لنا رسالة عظيمة مفادها أن الإنسان مهما بلغ علمه ومهما كان نفوذه وجبروته في الأرض هو في النهاية لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا وأن الأمر كله بيد الله سبحانه وتعالي وأنه لا نافع إلا الله ولا كاشف للبلوي إلا الله " وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"

هذه المحنة وضعت أيدينا علي بعض الحقائق الهامة
من هذه الحقائق الهامة هي أننا نصبح ونمسي وبين أيدينا نعمة من أجل النعم تاج علي رؤوسنا لا نراه .. هي نعمة الصحة اليوم انكشف لنا قدرها واليوم يحضر شكرها فلا تهمل فيها ولا تؤذ نفسك ولا تؤذ غيرك كن نظيفا ظاهرا وباطنا لا تقرب مواضع الأذي {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

من هذه الحقائق الهامة التي وضعت هذه المحنة أيدينا عليها
بيان ضعف ابن آدم تنتنه عرقة وتؤذيه بقه وتقتله شرقه لا يستطيع أن يخلق ذبابة ولا أن يدفع عن نفسه أذاها فلا حول ولا قوة لابن آدم إلا بالله
قال أَنَسُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَسَيِّئِ الْأَسْقَامِ»
من هنا جاءتنا الدعوات في كتاب ربنا وفي سنة نبينا صلي الله عليه وسلم تأمرنا أمرا أن نعود إلي الله قال الله تعالي " وَ {لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} "

جاءتنا الدعوات في سنة نبينا صلي الله عليه وسلم تأمرنا أمرا أن نحتمي بحماه سبحانه وتعالي أن نفزع إليه بالصلاة والدعاء والاستغفار في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء قال النبي عليه الصلاة والسلام" «مَنْ قَالَ بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ حِينَ يُمْسِي , لَمْ تَفْجَأْهُ فَاجِئَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ , وَمن قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ لَمْ تَفْجَأْهُ فَاجِئَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ» "

الخطبة الثانية
بقي لنا في الختام أن نقول وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد

أيا ابن آدم لا تغررك عافية .. عليك صافية فالعمر معدود, ما أنت إلا كزرع عند خضرته بكل شيئ من الآفات مقصود فإن سلمت من الآفات أجمعها فأنت عند تمام الأمر محصود

عند انتهاء الأجل سيتوقف القلب ستشخص العين ستفارق الروح الجسد هذا قد يحدث علي الفراش وقد يحدث في الطريق وقد يحدث وأنت تلهو وتلعب قد يكون للموت سبب ظاهر وقد يكون سببه أن العمر قد انقضي فلا تعول علي ذلك كثيرا فكل من عليها فان .. فقط لا تؤذ نفسك لا تهمل في صحتك لا تلق بيديك إلي التهلكة

خذ بكل أسباب الوقاية نظف نفسك نظف بيتك واهتم لطعامك وشرابك ولا تزاحم علي شيء والزم بيتك إن لزم الأمر حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا وخذ بكل سبب ممكن من أسباب السلامة وكأن هذه الأسباب هي كل شيء ثم توكل علي الله تعالي وكأن الأسباب لا شيء

وفي قرارة نفسك ردد أن ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيبني وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .