كيف نتأثر بالقرآن

وللتأثر بالقرآن، يقرأه المؤمن في جوف الليل، وعند الخوف، وفي النوازل والشدائد والمحن، وفي وجه الظالمين، بغية للنجاة، وتلمسا للهداية، وطلبا للمغفرة، واستنزالا للرحمة.

  • التصنيفات: التقوى وحب الله -

كتب الأستاذ / هاني مراد

لأن القرآن الكريم ليس كتاب حكمة نظرية باردة، ولأن آياته حيّة في طبيعتها، وفي أهدافها، وفي أسباب نزولها، ولأنه يستهدف إقامة واقع عمليّ، ومجتمع حركيّ، ويستهدف بناء العقيدة، وتصحيح الأفكار، وعلاج الأمراض، وتقويم السلوك، وصياغة المشاعر، فإن آياته الحيّة النابضة، كانت تتنزل عقب الأحوال، والمعارك، والمواقف العصيبة. 

كانت الآيات تتنزل بعد أن تكون النفوس والمشاعر قد انصهرت تحت وطأة هذه الأحوال، والمعارك، والمواقف، فتشعر بالآيات القرآنية تتنزل واقعا مُشاهدا تعيش فيه، وتتشكل تلك النفوس وهذه المشاعر المنصهرة، وتتقولب وفق الأفكار والمفاهيم التي تغرسها هذه الآيات في تلك النفوس، فتثبت عليها، وتنطبع بها، صورة حيّة واقعية:  «كان خلقه القرآن» .

هذه الطبيعة الحية النابضة للآيات القرآنية، تتواءم أكثر ما تتواءم، مع واقع حيّ نابض، ومع نفوس منصهرة بالمواقف والشدائد، حتى يمكن أن تنعكس عليها وتشعر بها. أمّا إذا كانت النفوس باردة جامدة، وإذا كانت الأرواح خاملة متوانية، فإنها تستعصي على الانصهار والشعور. 

وللتأثر بالقرآن، يعيش القارئ مواقفه، ويتجسّد شخوصه، ويخوض معاركه، ويواجه شدائده؛ فيعيش محنة إبراهيم فتى وحيدا، حين يُلقى في النار، ويخوض معارك بدر وأُحُد والأحزاب مع الثُّلة المؤمنة في المدينة، ويعيش مع موسى في رحلاته مع الخضر، ومعاركه مع فرعون وسحرته وجنوده، وجداله لقومه، ويعيش مع عيسى ونوح وأيوب وسليمان، وصحابة النبيّ الكرام. 

وللتأثر بالقرآن، يقرأه المؤمن في جوف الليل، وعند الخوف، وفي النوازل والشدائد والمحن، وفي وجه الظالمين، بغية للنجاة، وتلمسا للهداية، وطلبا للمغفرة، واستنزالا للرحمة.