وتبسمك في وجه أخيك صدقة
ففضيلة الصدقة الأكبر ليست في العطاء وحده، وليست في المادة وحدها، لكنها في تحرّك ذلك الموج النفسي بالعطاء، وفي هذه الحركة الموّارة التي تدفع النفس إلى البذل، فتُرخي الأصابع الكزّة، وتَبسط اليد المغلولة، وتُفرج الشفاه المعقودة.
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
كتب الأستاذ/ هاني مراد
هذا الحديث المُعجز، يُخرج الصدقة من المفهوم الماديّ الضيّق، إلى المفهوم المعنويّ الواسع، ويجعل منها شعورا نفسيا عميقا بالرغبة المخلصة في العطاء والإسعاد.
وفي هذا المعنى الواسع، استجاشة للنفس الإنسانية، وحثّ للرغبة الداخلية، على بذل كل معروف ممكن. فالصدقة لا تنحصر في العطاء الماديّ وحده، ولا تنحصر في المال وحده، لكنّها في أيسر شيء وأقربه. فالتسبيح صدقة، والأمر بالمعروف صدقة، والنهي عن المنكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وهداية الأعمى صدقة، وإغاثة اللهفان صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة.
ففضيلة الصدقة الأكبر ليست في العطاء وحده، وليست في المادة وحدها، لكنها في تحرّك ذلك الموج النفسي بالعطاء، وفي هذه الحركة الموّارة التي تدفع النفس إلى البذل، فتُرخي الأصابع الكزّة، وتَبسط اليد المغلولة، وتُفرج الشفاه المعقودة.
إنّها في نقل ذلك الشعور بالرغبة في الخير والإسعاد والإرفاد، من نفس إلى نفس، ومن روح إلى روح، ومن قلب إلى قلب، ومن إنسان إلى إنسان.
وهي بهذا المفهوم، حركة اجتماعية إيجابية مستمرة شاملة، لا تكفّ عن الحركة في كل مكان وزمان. وهي لون يرتسم على مناحي الحياة بأشكالها وتغايراتها واختلافاتها، فيتعلم المؤمن الإيجابية والحركة والشعور بغيره في كل شأن.
وهكذا لا ينقسم المجتمع إلى معطٍ وآخذ فقط، بل ينصهر في بوتقة واحدة، يستطيع فيها المجتمع كله أن يعطي ويأخذ، لأن الصدقة- في حقيقتها- لا تحتاج إلا لأدنى رغبة في الإسعاد. فليس المتصدق من يملك المال وحده! لكنّ المتصدق من يبذل أقلّ معروف، لأن تبسمك في وجه أخيك صدقة!