مواعظ من الحجر الصحي
أخي الكريم، هذا الفراغ فرصة عظيمة لمحاسبة نفسك على المعاصي، وعلى التقصير في طاعة الله سبحانه، وفرصة كبيرة لتذكير نفسك بالموت القادم لك حتمًا في وقت يعلمه الله سبحانه
- التصنيفات: تزكية النفس - قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فهذه رسالة إلى البعض ممن يتضجرون أو يضيعون أوقاتهم، فأذكِّرهم بالآتي:
• احمدوا ربكم أنه حجر من صديق يحبكم ويبتغي الخير لكم، وأنتم آمنون ومعززون ومكرمون في بيوتكم، وليس طردًا من عدو يخيفكم؛ وتذكروا قوله سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
• الفراغ نعمة ومنحة ربانية، فلماذا يضيعها البعض في ملل وضجر وما لا ينفع لا دينًا ولا دنيا؟
• تأملوا كثيرًا الحديث الآتي: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»؛ [رواه البخاري]، والغبن هو الخسارة؛ ومعنى الحديث: أن الذين لا يستفيدون من الصحة والفراغ خاسرون، فاشغل وقتك حفظك الله في صلاة وتلاوة للقرآن، وعلم نافع، وتضرع وتوبة ودعاء، وبر وصلة، وغيرها مما ينفعك دينًا ودنيا.
• أخي الكريم، هذا الفراغ فرصة عظيمة لمحاسبة نفسك على المعاصي، وعلى التقصير في طاعة الله سبحانه، وفرصة كبيرة لتذكير نفسك بالموت القادم لك حتمًا في وقت يعلمه الله سبحانه، وقد يأتيك فجأةً؛ فأكْثِرْ من ذكر هاذم اللذات؛ ليرق قلبك وتترك المعاصي، وتقبل على الطاعات؛ قال سبحانه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30، 31].
• الدنيا أشغلت الكثيرين عن واجبات شرعية كثيرة؛ مثل: الصلاة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وعن مستحبات؛ مثل: تلاوة القرآن وغيره، وأذكِّر هؤلاء جميعًا بمراجعة أنفسهم، فماذا يبقى لمن تساهل بالصلاة أو تعمد تأخيرها عن وقتها؟ وكيف يقابل ربه من فرط أو قصر في أعظم حقٍّ بعد حقوق الله سبحانه؛ وهو حق الوالدين؟ وكيف يريد السعادة وانشراح الصدر من هجر كتاب الله، فلم يعد يعرفه إلا يوم الجمعة أو رمضان؟ وكيف يفرط عاقل في الأجر العظيم المترتب على تلاوة شيء يسير من القرآن؟ فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه ...» [رواه مسلم (804)]، وروى الترمذي عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف}؛ [صححه الألباني في صحيح الترمذي].
• هل عرفت بعد هذه الأحاديث مقدار خسارتك العظيمة يا من هجرت كتاب ربك، وضاع عمرك في وسائل التواصل، والانشغال الزائد بالدنيا الذي أقسى بعض القلوب، وأضعف الإيمان، حتى حصل من البعض الظلم للعباد؛ من زوجة، أو أولاد، أو مرؤوسين، أو عمال، أو شهادة الزور، أو غيرها؟ فليتذكر هؤلاء الموت، ووقوفهم بين الله سبحانه للحساب على المعاصي عمومًا، وعلى الظلم خصوصًا؛ وليتأملوا في الحديث الآتي: عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة}؛ [متفق عليه].
• صلاتك في البيت فرصة كبيرة لإطالتها إن لم يكن معك أحد يتضايق من طولها، أو تطيل النوافل وقوفًا وركوعًا وسجودًا؛ لتكون فرصةً عظيمة لكثرة الدعاء لك وللمسلمين عمومًا بتفريج الكرب، وكثرة التوبة والاستغفار، ومحاسبة النفس على ما فرط منها، ولتتذكر فيها الموت وما بعده من أهوال القبر والحشر والحساب، والجنة والنار؛ فيرق قبلك وتدمع عينك.
• وأبشر بفضل الله سبحانه؛ فقد روى الترمذي وحسنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله»؛ وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... وذكر منهم: ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه»، وروى أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حُرِّمت النار على عين بكت من خشية الله»، وللحديث شواهد عند الترمذي وأبي يعلى، والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي تدل على أن من بكى من خشية الله، فقد حرمه سبحانه على النار، أَوَلا تريد أن تكون منهم؟
• يلحظ انشغال البعض وفقهم الله بمتابعة الأخبار بشكل زائد عن الحاجة، وكذلك التعليقات عليها، وهذا ربما أضاع أوقاتًا ثمينة فيما لا ينفع، وأسوأ منه انشغلوا بمقاطع مضحكة ونكت عن الأوضاع الحالية، وكأنهم ليسوا في كربة وبلاء يتطلب الخوف من الله سبحانه والخشوع والتضرع.
حفظكم الله، ورزقكم خشوعًا وتوبة وتضرعًا، وكشف الله البلاء عنا وعن سائر المسلمين، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.