(3) كأن لم تغن بالأمس
محمد هشام راغب
لو حكى لنا أحد قبل أسابيع بعض المظاهر التي نراها اليوم لاعتبرناه مجنونا، إلا لو قامت حرب عالمية.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
الرؤساء والملوك والأمراء والنخب النافذة تتمتع بحراسات أمنية قوية ومعقدة ومن عدة مستويات وطبقات،
ثم يأتي مخلوق بسيط جدا، فيروس لا يُرى بالعين فيتسلل بخفاء ويصيب قادة ووزراء وقضاة ومشاهير ونجوم سينما ورياضة، ولا تستطيع أشد الحراسات الأمنية أن تنتبه لوجوده، فضلا عن أن تمنعه.
الله هو الحكيم العليم
كل تدبيره وتصريفه للأمور بحكمة بالغة
لا نستطيع أن نجزم بحكمته تبارك وتعالى في هذا الوباء الذي اجتاح العالم في أسابيع قليلة،
لكن الذي لا شك فيه أننا نرى بأعيننا آية عظيمة لا يغفل عنها إلا أعمى البصيرة.
آية تضع سقفا لمعنى المخلوق، وأن له حدودا مهما بلغت قوته أو غناه أو سلطته.
شاهدت اليوم لقاء لاقتصادي بارز هو لورانس سامرز وزير الخزانة الأمريكي السابق ورئيس جامعة هارفارد لسنوات عديدة، وقد سأله المحاور (على شبكة CNN) عن انهيار البورصات وغيوم الركود التي تظلل الأسواق العالمية، كان السؤال طويلا والإجابة مختصرة، فقال:
“لا نستطيع فعل أي شيء من ناحية الاقتصاد، أدواتنا عاجزة وذخيرتنا نفدت. المشكلة الحالية غير قابلة للحل (unsolvable) اقتصاديا. نحن رهن حلها طبيا!”
في نفس البرنامج، شاهدت قبله الرئيس السابق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية الأمريكية (CDC) توم فريدن، يؤكد بأن "معلوماتنا قليلة جدا عن هذا الفيروس الجديد، وكل ما يقال عن السيطرة عليه في الأجواء الحارة، أو ببعض الأدوية كلام غير حقيقي، ببساطة .. نحن لا نعلم. ما أعلمه فقط هو أننا بعد أن نخرج من هذه الأزمة الكبيرة، يجب أن نجري تحقيقا كبيرا، كيف تأخرنا بهذا الشكل في الاستجابة للخطر الداهم .. لا نستطيع أن نؤكد توقعات الأسابيع القليلة القادمة غير أن الضحايا في أمريكا سيتراوحون بين عدة آلاف إلى مليون ونصف".
لو حكى لنا أحد قبل أسابيع بعض المظاهر التي نراها اليوم لاعتبرناه مجنونا، إلا لو قامت حرب عالمية.
هذا الكون له خالق مُدَّبر، من يُخرجه من حسابات الأحداث والوقائع غافل جاهل.
ديننا يأمرنا أن نأخذ بالأسباب ونتقنها ولا نتواكل، لكن بقلوب ملؤها اليقين بأن الكون وما فيه في قبضة الله تعالى، هو الملك وما سواه مخلوقون ضعفاء، ولو تزيوا بأزياء الملوك والسلاطين، وما سواه ضعفاء عجزة، ولو ظنوا أنهم قادرون على كل شيء.
إننا نشهد الآن لمحة قصيرة خاطفة من غيب المستقبل الذي قال الحق عنه:
{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].