مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه

«إنَّه ليس من الناس أحد أَمنَّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً من النَّاس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خَوْخَةٍ في هذا المسجد، غير خَوْخَةِ أبي بكر»

  • التصنيفات: سير الصحابة -
مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه

جمع - رضي الله عنه - من المحاسن ما لم يحظَ به صحابي آخر، وإن كانوا كلهم اشتملوا على جملة من المحاسن لم تكن عند كثير من خلق الله تعالى، لكنَّ الصديق اشتمل على القسط الأكبر منها؛ فمن محاسنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خصه بباب في المسجد يقرب منه خروجه إلى الصلاة ولا يزاحمه أحد، وأغلق سائرها إكراماً له وتفضيلاً؛ فعن ابن عبـاس، قال: «خرج رسول الله في مرضه الذي مات فيه، عاصب رأسه بخرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إنَّه ليس من الناس أحد أَمنَّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً من النَّاس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خَوْخَةٍ في هذا المسجد، غير خَوْخَةِ أبي بكر» [1].

واستنبط أبو حاتم من هذا الحديث الإشارة إلى أبي بكر بأنَّه الخليفة من بعده ؛ إذ حسم أطماع النَّاس في الخلافة، وأومأ إلى خلافته بفتح بابه إلى المسجد بقوله: «سدوا عني كل خَوْخَةٍ في هذا المسجد، غير خَوْخَةِ أبي بكر» [2]، وسد أبواب الناس كلهم، ففي ذلك إشارة إلى أنَّه هو القائم بالإمامة بعده، فإنَّ الإمام يحتاج إلى استطراق المسجد، وذلك من مصالح المصلين فيه[3].

كرمه رضي الله عنه وسعة نفقته:

ومنها أنَّه أنفق كلَّ ماله فما أبقى منه شيئاً؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أنفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله أربعين ألفاً»[4].

محبة رسول الله له رضي الله عنه:

ومنها أنَّه كان حبيب رسول الله وأحبَّ الصحابة للصحابة رضوان الله عليهم؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «كان أبو بكر أحبنا إلى رسول الله وكان خيرنا وسيدنا»[5].

فضائله رضي الله عنه:

منها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خصه بالفضيلة والكرامة، ورفع المنزلة، وذلك لاختياره إياه دون سائر أهله وعشيرته، لموضع سره وخفيِّ أموره التي كان يخفيها عن سائر أصحابه، ولصحبته في سفره؛ إذ لم يعلم أحد بكونه عليه السلام في الغار أيام مكثـه فيه غير أبي بكر وحاشيته من ولد له ومولى وأجير[6].

وسماه النبي صلى الله عليه وسلم عتيق[7] اللـه؛ فعـن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: «كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان فقال له النبي: «أنت عتيق الله من النَّار» فسمي عتيقاً» [8].

ومن محاسنه أنَّ النبي وصفه بالصدِّيق؛ فعن قتادة، أنَّ أنس بن مالك رضي الله عنه، حدثهم أنَّ النبي صعد أُحُداً، وأبو بكر، وعمر، وعثمان فرجف بهم، فقال: «اثبت أحد فإنَّما عليك نبي، وصديق، وشهيدان» [9].

وأجمعت الأئمة على تسميته صديقاً. وسبب تسميته أنَّه بادر إلى تصديق رسول الله ولازم الصدق فلم يقع منه هناة ولا وقفة في حال من الأحوال.

ومنها أنَّه يدعى من كل أبواب الجنة ليدخل منها؛ فعن أبي هريرة، أنَّ رسول الله قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان»قال أبو بكر الصديق: يا رسول اللهما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؛ فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال رسول الله: «نعم، وأرجو أن تكون منهم» [10].

وقوله: فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة»؛ أي: من المكثرين لصلاة التطوُّع، وكذلك غيرها من أعمال البرِّ المذكورة في هذا الحديث؛ لأنَّ الواجبات لا بدَّ منها لجميع المسلمين، ومن ترك شيئاً من الواجبات إنَّما يخاف عليه أن ينادى من أبواب جهنم، فيستوي في القيام بها المسلمون كلهم، وإنَّما يتفاضلون بكثرة التطوع التي بها تحصل تلك الأهلية التي بها ينادون من تلك الأبواب.

ولما فهم أبو بكر رضي الله عنه هذا المعنى قال: فهل يدعى أحد من تلك الأبواب؟ أي: هل يحصل لأحد من أهل الإكثار من أعمال تطوع البرِّ المختلفة ما يتأهل به لأن يدعوه خزنة الجنة من كل باب من أبوابها؟ فقال له النبي : «نعم، أنت منهم»، فإنَّه رضي الله عنه كان قد جمع خصال تلك الأبواب كلها، ألا ترى أنَّ قوله : «من أطعم منكم اليوم مسكيناً»  فقال أبو بكر: أنا، قال: «من عاد منكم اليوم مريضاً»  فقال أبو بكر: أنا[11].

قال العلماء: الرجاء من الله ومن نبيه واقع بهذا التقرير، قال الحافظ: وفي الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها. وفيه إشارة إلى أنَّ المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها؛ لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها، بخلاف التطوع، فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوع، ثم من يجتمع له ذلك إنَّما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنَّما يكون من باب واحـد، ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه، والله أعلم.

وأما ما أخرجه البيهقي عن عمر: «من توضأ ثمَّ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله اللهمَّ اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له أبواب الجنَّة يدخل من أيها شاء»[12] فلا ينافي ما تقدم، وإن كان ظاهره أنَّه يعارضه؛ لأنَّه يحمل على أنَّها تفتح له على سبيل التكريم، ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العمل الذي يكون أغلب عليه كما تقدم، وليس فيه ذكر المناداة والله أعلم[13].

ومنها أنَّ إيمانه رضي الله عنه - يعدل إيمان أهل الأرض وزيادة؛ لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم»[14].

ومنها أنَّ النبي جعله في مكانه ونائباً عنه في ما روي عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: أتت امـرأةٌ النبيَّ فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تقول: الموت، قال: «إن لم تجديني فاتي أبا بكر»[15].

ومنها أنَّه ما سابقه أحد في عمل الخير إلا سبقه؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالأمر رسول الله أن يُتَصَدَّقَ ووافى ذلك مالاً عندي مجتمعاً، فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً. قال فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله: «ما أبقيت لأهلك» ؟ قلت مثله. قال ثمَّ أتى أبو بكر بكـل ما عنده، فقال له رسول الله: «ما أبقيت لأهلك» ؟ قال: «أبقيت لهم الله ورسوله». قلت: «لا أسبقك إلى شيء أبداً»[16].

وقوله: «لا أسابقك» أي: لا أقدر على مسابقتك أبداً، وإنَّما لم ينكر عليه الصلاة والسلام على أبي بكر إتيانه بجميع ما عنده لِـمَا علمـه من حسن نيته، وقوة نفسه، ولم يخف عليه الفتنة، ولا أن يتكفف الناس، كما خافها على الذي رد عليه الذهب، والذي رد عليه الثياب[17].

ومنها أنَّ النبي قدمه على جملة البشر بعد النبيين والمرسلين فقال لأبي الدرداء لما رآه يمشي أمامه فقال: «يا أبا الدرداء أتمشي أمام من هو خير منك في الدنيا والآخرة؟ ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر» [18].

ومنها أنَّ النبي جمعه وإياه في جوار الله سبحانه وتعالى فروي عنه رضي الله عنه قال: قلت للنبي وأنا في الغار: لو أنَّ أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا، فقال: «ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما» [19]

ومنها أنَّ النبي كان يدعو له ويعدد فضائله ويقول: «رحم الله أبا بكر؛ زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله» [20].

ومنها أنَّه كان أفهم النَّاس وأعلمهم عن الرسول ؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خطب رسول الله، النَّاس وقال: «إنَّ الله خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله»، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه: أن يخبر رسول الله عن عبد خير، فكان رسول الله هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا[21]، فقال رسول الله: «إن من أَمَنِّ النَّاس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر» [22].

يقول القرطبي: «هذا قول فيه إبهام، قصد به النبي اختبار أفهام أصحابه، وكيفية تعلق قلوبهم به، فظهر أنَّ أبا بكر كان عنده من ذلك ما لم يكن عند أحد منهم، ولما فهم من ذلك ما لم يفهموا بادر بقوله: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، ولذلك قالوا: فكان أبو بكر أعلمنا. وهذا يدل من أبي بكر رضي الله عنه على أنَّ قلبه ممتلئ من محبة رسول الله ومستغرق عنه، وشديد الاعتناء بأمـوره كلِّها من أقواله وأحواله بحيث لا يشاركه أحدٌ منهم في ذلك. ولما علم النبي ذلك منـه، وصدر منه في ذلك الوقـت ذلك الفهم عنه، اختصَّه بالخصوصيَّة العظمى التي لم يظفر بمثلها بشر في الأولى ولا في الآخرة. فقال: «إن أَمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً»، فقد تضمن هذا الكلام: أن لأبي بكر من الفضائل، والحقوق ما لا يشاركه فيها مخلوق[23].

ومنها أنَّه هو أول من جمع القرآن، لما روي عن علي رضي الله عنه: «رحم الله أبا بكر هو أول من جمع القرآن بين اللوحين»[24].

ومنها شهادة النبي بالجنة، روي عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: قال رسول الله: « «أبو بكر وعمر سيدا كهول[25]  أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين» [26].

وكان رضي الله عنه أشد اقتداءً بالنبي؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله، ولا من أبي بكر، ولا من عمر»[27].

 

 



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، 467، الطبعة: الأولى، دار طوق النجاة السعودية، 1422هـ.

[2] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره عن مناقب الصحابة، رجالهم، باب ذكر البيان بأنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان من أَمَن الناس على رسول الله بماله ونفسه، 6860، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، 6860، الطبعة: الثانية، مؤسسة الرسالة بيروت، 1414هـ  - 1993م.

[3] فتح الباري شرح صحيح البخاري، 3376، دار المعرفة – بيروت لبنان.

[4] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره عن مناقب الصحابة، رجالهم، باب ذكر عدد ما أنفق أبو بكر على رسول الله ، 6859.

[5] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره عن مناقب الصحابة، رجالهم، باب ذكر البيان بأنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان أحب النَّاس إلى رسول الله، 6862.

[6] شرح صحيح البخاري لابن بطال، 992 - 95، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الطبعة الثانية، مكتبة الرشد السعودية، الرياض، 1423هـ - 2003م

[7] قال الراغب: «العتيق المتقدم في الزمان أو المكان أو الرتبة، ولذا قيل للقديم عتيق، والكريم عتيق، ولمن خلا عن الرق عتيق. وسمي البيت العتيق لكرمه، أو لقدم زمانه أو لرتبة مكانه، أو لأنه عتق عن الطوفان، أو عن تصرف الجبابرة». مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 6031.

[8] شرح صحيح البخاري لابن بطال، 992 - 95، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الطبعة الثانية، مكتبة الرشد السعودية، الرياض، 1423هـ - 2003م

[9] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي ، باب قول النبي: «لو كنت متخذاً رسول»، 3675.

[10] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكاة، باب من جمع الصدقة وأعمال البر، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، 1027، دار إحياء التراث العربي بيروت.

[11] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، تحقيق: محيي الدين ديب ميستو - أحمد محمد السيد - يوسف علي بديوي - محمود إبراهيم بزال، 371 - 72 الطبعة الأولى، دار الكلم الطيب، دمشق بيروت، 1417 هـ  - 1996م

[12] أخرجه البيهقي في السنن الصغير، كتاب الطهارة، باب: كيفية الوضوء، 1/51 - 109.

[13] انظر: الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم، 12104.

[14] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، تحقيق: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد، 1/143 - 35، الطبعة: الأولى، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية في بومباي بالهند، 1423هـ - 2003م

[15] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي ، باب قول النبي : «لو كنت متخذاً خليلاً»، 3659.

[16] شرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين والتمسك بالسنن لابن شاهين، تحقيق: عادل ابن محمد، ص157، الطبعة: الأولى، مؤسسة قرطبة للنشر والتوزيع، 1415هـ - 1995م.وقال النووي مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دَين عليه ولا له عيال لا يصبرون ويكون هو ممن يصبر على الإضاقة والفقر فإن لم يجمع هذه الشروط فهو مكروه. فتح الباري شرح صحيح البخاري، 3295- 296.

[17] قال الجمهور من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله حيث لا دَين عليه وكان صبوراً على الإضاقة ولا عيال له أو له عيال يصبرون أيضاً فهو جائز فإن فقد شيئاً من هذه الشروط كره، وقال بعضهم هو مردود، وروي عن عمر حيث رد على غيلان الثقفي قسمة ماله ويمكن أن يحتج له بقصة المدبر الآتي ذكره فإنه باعه وأرسل ثمنه إلى الذي دبره لكونه كان محتاجاً، وقال آخرون يجوز من الثلث ويرد عليه الثلثين وهو قول الأوزاعي ومكحول وعن مكحول أيضاً يرد ما زاد على النصف قال الطبري والصواب عندنا الأول من حيث الجواز والمختار من حيث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث جمعاً بين قصة أبي بكر وحديث كعب والله أعلم، مدة القاري شرح صحيح البخاري، 8293.

[18] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة، 1/152- 135.

[19] أخرجه البخاري في صحيحه، 4663.

[20] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، 1232، الطبعة: الأولى، المكتب الإسلامي بيروت، 1400هـ.

[21] المهيأ في كشف أسرار الموطأ لعثمان بن سعيد الكماخي، تحقيق: أحمد علي، 4307، دار الحديث، القاهرة جمهورية مصر العربية.

[22] أخرجه البخاري، كتاب أصحاب النبي، باب قول النبي: «سدوا الأبواب، إلا باب أبي بكر»، 3654، وهذه الخطبة التي خطبها النبي في هذا اليوم كانت آخر خطبة خطبها على المنبر، فعرض فيها باختياره لقاء الله على المقام في الدنيا، وأخبر أنه أعطي مفاتيح خزائن الدنيا، وخُيِّر بين أن يبقى ما شاء الله وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه، ولكنه لم يصرح بتخييره، واختار في نفسه وإنما قال: إن عبداً خيِّر، فلم يتفطن لذلك أحد غير أبي بكر الصديق. فتح الباري شرح صحيح البخاري، 3376.

[23] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 6240 -242.

[24] الشريعة للآجري، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي، 1242، الطبعة: الثانية، دار الوطن الرياض السعودية، 1420 - هـ 1999م.

[25] قوله: سيدا كهول أهل الجنة اعتبر ما كانوا عليه في الدنيا وإلا لم يكن في الجنة كهل، كقوله تعالى: ﴿وآتوا اليتامى أموالهم﴾ شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، تحقيق: د. عبد الحميد هنداوي، 6059، الطبعة: الأولى، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة الرياض، 1417 هـ - 1997م.

[26] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره عن مناقب الصحابة رجالهم، ذكر البيان بأنَّ الصديق والفاروق يكونان في الجنة سيدي كهول الأمم، 6904.

[27] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصلاة عن رسول الله، باب ما جاء في التعجيل بالظهر، تحقيق: بشار عواد معروف، 155، دار الغرب الإسلامي بيروت.

جمع - رضي الله عنه - من المحاسن ما لم يحظَ به صحابي آخر، وإن كانوا كلهم اشتملوا على جملة من المحاسن لم تكن عند كثير من خلق الله تعالى، لكنَّ الصديق اشتمل على القسط الأكبر منها؛ فمن محاسنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خصه بباب في المسجد يقرب منه خروجه إلى الصلاة ولا يزاحمه أحد، وأغلق سائرها إكراماً له وتفضيلاً؛ فعن ابن عبـاس، قال: «خرج رسول الله في مرضه الذي مات فيه، عاصب رأسه بخرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنَّه ليس من الناس أحد أَمنَّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذاً من النَّاس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خَوْخَةٍ في هذا المسجد، غير خَوْخَةِ أبي بكر»[1].

واستنبط أبو حاتم من هذا الحديث الإشارة إلى أبي بكر بأنَّه الخليفة من بعده ؛ إذ حسم أطماع النَّاس في الخلافة، وأومأ إلى خلافته بفتح بابه إلى المسجد بقوله: «سدوا عني كل خَوْخَةٍ في هذا المسجد، غير خَوْخَةِ أبي بكر»[2]، وسد أبواب الناس كلهم، ففي ذلك إشارة إلى أنَّه هو القائم بالإمامة بعده، فإنَّ الإمام يحتاج إلى استطراق المسجد، وذلك من مصالح المصلين فيه[3].

كرمه رضي الله عنه وسعة نفقته:

ومنها أنَّه أنفق كلَّ ماله فما أبقى منه شيئاً؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أنفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله أربعين ألفاً»[4].

محبة رسول الله له رضي الله عنه:

ومنها أنَّه كان حبيب رسول الله وأحبَّ الصحابة للصحابة رضوان الله عليهم؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «كان أبو بكر أحبنا إلى رسول الله وكان خيرنا وسيدنا»[5].

فضائله رضي الله عنه:

منها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خصه بالفضيلة والكرامة، ورفع المنزلة، وذلك لاختياره إياه دون سائر أهله وعشيرته، لموضع سره وخفيِّ أموره التي كان يخفيها عن سائر أصحابه، ولصحبته في سفره؛ إذ لم يعلم أحد بكونه عليه السلام في الغار أيام مكثـه فيه غير أبي بكر وحاشيته من ولد له ومولى وأجير[6].

وسماه النبي صلى الله عليه وسلم عتيق[7] اللـه؛ فعـن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: «كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان فقال له النبي: «أنت عتيق الله من النَّار» فسمي عتيقاً[8].

ومن محاسنه أنَّ النبي وصفه بالصدِّيق؛ فعن قتادة، أنَّ أنس بن مالك رضي الله عنه، حدثهم أنَّ النبي صعد أُحُداً، وأبو بكر، وعمر، وعثمان فرجف بهم، فقال: «اثبت أحد فإنَّما عليك نبي، وصديق، وشهيدان»[9].

وأجمعت الأئمة على تسميته صديقاً. وسبب تسميته أنَّه بادر إلى تصديق رسول الله ولازم الصدق فلم يقع منه هناة ولا وقفة في حال من الأحوال.

ومنها أنَّه يدعى من كل أبواب الجنة ليدخل منها؛ فعن أبي هريرة، أنَّ رسول الله قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان». قال أبو بكر الصديق: يا رسول اللهما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؛ فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال رسول الله: «نعم، وأرجو أن تكون منهم»[10].

وقوله: فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة»؛ أي: من المكثرين لصلاة التطوُّع، وكذلك غيرها من أعمال البرِّ المذكورة في هذا الحديث؛ لأنَّ الواجبات لا بدَّ منها لجميع المسلمين، ومن ترك شيئاً من الواجبات إنَّما يخاف عليه أن ينادى من أبواب جهنم، فيستوي في القيام بها المسلمون كلهم، وإنَّما يتفاضلون بكثرة التطوع التي بها تحصل تلك الأهلية التي بها ينادون من تلك الأبواب.

ولما فهم أبو بكر رضي الله عنه هذا المعنى قال: فهل يدعى أحد من تلك الأبواب؟ أي: هل يحصل لأحد من أهل الإكثار من أعمال تطوع البرِّ المختلفة ما يتأهل به لأن يدعوه خزنة الجنة من كل باب من أبوابها؟ فقال له النبي : «نعم، أنت منهم»، فإنَّه رضي الله عنه كان قد جمع خصال تلك الأبواب كلها، ألا ترى أنَّ قوله : «من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟» فقال أبو بكر: أنا، قال: «من عاد منكم اليوم مريضاً؟» فقال أبو بكر: أنا[11].

قال العلماء: الرجاء من الله ومن نبيه واقع بهذا التقرير، قال الحافظ: وفي الحديث إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب كلها. وفيه إشارة إلى أنَّ المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها؛ لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها، بخلاف التطوع، فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوع، ثم من يجتمع له ذلك إنَّما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنَّما يكون من باب واحـد، ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه، والله أعلم.

وأما ما أخرجه البيهقي عن عمر: «من توضأ ثمَّ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله اللهمَّ اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له أبواب الجنَّة يدخل من أيها شاء»[12] فلا ينافي ما تقدم، وإن كان ظاهره أنَّه يعارضه؛ لأنَّه يحمل على أنَّها تفتح له على سبيل التكريم، ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العمل الذي يكون أغلب عليه كما تقدم، وليس فيه ذكر المناداة والله أعلم[13].

ومنها أنَّ إيمانه رضي الله عنه - يعدل إيمان أهل الأرض وزيادة؛ لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم»[14].

ومنها أنَّ النبي جعله في مكانه ونائباً عنه في ما روي عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: أتت امـرأةٌ النبيَّ فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تقول: الموت، قال: «إن لم تجديني فاتي أبا بكر»[15].

ومنها أنَّه ما سابقه أحد في عمل الخير إلا سبقه؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالأمر رسول الله أن يُتَصَدَّقَ ووافى ذلك مالاً عندي مجتمعاً، فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً. قال فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله: ما أبقيت لأهلك؟ قلت مثله. قال ثمَّ أتى أبو بكر بكـل ما عنده، فقال له رسول الله: «ما أبقيت لأهلك»؟ قال: «أبقيت لهم الله ورسوله». قلت: «لا أسبقك إلى شيء أبداً»[16].

وقوله: «لا أسابقك» أي: لا أقدر على مسابقتك أبداً، وإنَّما لم ينكر عليه الصلاة والسلام على أبي بكر إتيانه بجميع ما عنده لِـمَا علمـه من حسن نيته، وقوة نفسه، ولم يخف عليه الفتنة، ولا أن يتكفف الناس، كما خافها على الذي رد عليه الذهب، والذي رد عليه الثياب[17].

ومنها أنَّ النبي قدمه على جملة البشر بعد النبيين والمرسلين فقال لأبي الدرداء لما رآه يمشي أمامه فقال: «يا أبا الدرداء أتمشي أمام من هو خير منك في الدنيا والآخرة؟ ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر»[18].

ومنها أنَّ النبي جمعه وإياه في جوار الله سبحانه وتعالى فروي عنه رضي الله عنه قال: قلت للنبي وأنا في الغار: لو أنَّ أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا، فقال: «ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما؟»[19]

ومنها أنَّ النبي كان يدعو له ويعدد فضائله ويقول: «رحم الله أبا بكر؛ زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله»[20].

ومنها أنَّه كان أفهم النَّاس وأعلمهم عن الرسول ؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خطب رسول الله، النَّاس وقال: «إنَّ الله خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله»، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه: أن يخبر رسول الله عن عبد خير، فكان رسول الله هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا[21]، فقال رسول الله: «إن من أَمَنِّ النَّاس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر[22]».

يقول القرطبي: «هذا قول فيه إبهام، قصد به النبي اختبار أفهام أصحابه، وكيفية تعلق قلوبهم به، فظهر أنَّ أبا بكر كان عنده من ذلك ما لم يكن عند أحد منهم، ولما فهم من ذلك ما لم يفهموا بادر بقوله: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، ولذلك قالوا: فكان أبو بكر أعلمنا. وهذا يدل من أبي بكر رضي الله عنه على أنَّ قلبه ممتلئ من محبة رسول الله ومستغرق عنه، وشديد الاعتناء بأمـوره كلِّها من أقواله وأحواله بحيث لا يشاركه أحدٌ منهم في ذلك. ولما علم النبي ذلك منـه، وصدر منه في ذلك الوقـت ذلك الفهم عنه، اختصَّه بالخصوصيَّة العظمى التي لم يظفر بمثلها بشر في الأولى ولا في الآخرة. فقال: «إن أَمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً»، فقد تضمن هذا الكلام: أن لأبي بكر من الفضائل، والحقوق ما لا يشاركه فيها مخلوق[23].

ومنها أنَّه هو أول من جمع القرآن، لما روي عن علي رضي الله عنه: «رحم الله أبا بكر هو أول من جمع القرآن بين اللوحين»[24].

ومنها شهادة النبي بالجنة، روي عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: قال رسول الله: «أبو بكر وعمر سيدا كهول[25] أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين»[26].

وكان رضي الله عنه أشد اقتداءً بالنبي؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله، ولا من أبي بكر، ولا من عمر»[27].

 

 

 

 

 
 

 


[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، 467، الطبعة: الأولى، دار طوق النجاة السعودية، 1422هـ.

[2] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره عن مناقب الصحابة، رجالهم، باب ذكر البيان بأنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان من أَمَن الناس على رسول الله بماله ونفسه، 6860، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، 6860، الطبعة: الثانية، مؤسسة الرسالة بيروت، 1414هـ  - 1993م.

[3] فتح الباري شرح صحيح البخاري، 3376، دار المعرفة – بيروت لبنان.

[4] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره عن مناقب الصحابة، رجالهم، باب ذكر عدد ما أنفق أبو بكر على رسول الله ، 6859.

[5] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره عن مناقب الصحابة، رجالهم، باب ذكر البيان بأنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان أحب النَّاس إلى رسول الله، 6862.

[6] شرح صحيح البخاري لابن بطال، 992 - 95، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الطبعة الثانية، مكتبة الرشد السعودية، الرياض، 1423هـ - 2003م

[7] قال الراغب: «العتيق المتقدم في الزمان أو المكان أو الرتبة، ولذا قيل للقديم عتيق، والكريم عتيق، ولمن خلا عن الرق عتيق. وسمي البيت العتيق لكرمه، أو لقدم زمانه أو لرتبة مكانه، أو لأنه عتق عن الطوفان، أو عن تصرف الجبابرة». مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 6031.

[8] شرح صحيح البخاري لابن بطال، 992 - 95، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الطبعة الثانية، مكتبة الرشد السعودية، الرياض، 1423هـ - 2003م

[9] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي ، باب قول النبي: «لو كنت متخذاً رسول»، 3675.

[10] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكاة، باب من جمع الصدقة وأعمال البر، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، 1027، دار إحياء التراث العربي بيروت.

[11] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، تحقيق: محيي الدين ديب ميستو - أحمد محمد السيد - يوسف علي بديوي - محمود إبراهيم بزال، 371 - 72 الطبعة الأولى، دار الكلم الطيب، دمشق بيروت، 1417 هـ  - 1996م

[12] أخرجه البيهقي في السنن الصغير، كتاب الطهارة، باب: كيفية الوضوء، 1/51 - 109.

[13] انظر: الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم، 12104.

[14] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، تحقيق: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد، 1/143 - 35، الطبعة: الأولى، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية في بومباي بالهند، 1423هـ - 2003م

[15] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي ، باب قول النبي : «لو كنت متخذاً خليلاً»، 3659.

[16] شرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين والتمسك بالسنن لابن شاهين، تحقيق: عادل ابن محمد، ص157، الطبعة: الأولى، مؤسسة قرطبة للنشر والتوزيع، 1415هـ - 1995م.وقال النووي مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دَين عليه ولا له عيال لا يصبرون ويكون هو ممن يصبر على الإضاقة والفقر فإن لم يجمع هذه الشروط فهو مكروه. فتح الباري شرح صحيح البخاري، 3295- 296.

[17] قال الجمهور من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله حيث لا دَين عليه وكان صبوراً على الإضاقة ولا عيال له أو له عيال يصبرون أيضاً فهو جائز فإن فقد شيئاً من هذه الشروط كره، وقال بعضهم هو مردود، وروي عن عمر حيث رد على غيلان الثقفي قسمة ماله ويمكن أن يحتج له بقصة المدبر الآتي ذكره فإنه باعه وأرسل ثمنه إلى الذي دبره لكونه كان محتاجاً، وقال آخرون يجوز من الثلث ويرد عليه الثلثين وهو قول الأوزاعي ومكحول وعن مكحول أيضاً يرد ما زاد على النصف قال الطبري والصواب عندنا الأول من حيث الجواز والمختار من حيث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث جمعاً بين قصة أبي بكر وحديث كعب والله أعلم، مدة القاري شرح صحيح البخاري، 8293.

[18] أخرجه أحمد في فضائل الصحابة، 1/152- 135.

[19] أخرجه البخاري في صحيحه، 4663.

[20] أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، 1232، الطبعة: الأولى، المكتب الإسلامي بيروت، 1400هـ.

[21] المهيأ في كشف أسرار الموطأ لعثمان بن سعيد الكماخي، تحقيق: أحمد علي، 4307، دار الحديث، القاهرة جمهورية مصر العربية.

[22] أخرجه البخاري، كتاب أصحاب النبي، باب قول النبي: «سدوا الأبواب، إلا باب أبي بكر»، 3654، وهذه الخطبة التي خطبها النبي في هذا اليوم كانت آخر خطبة خطبها على المنبر، فعرض فيها باختياره لقاء الله على المقام في الدنيا، وأخبر أنه أعطي مفاتيح خزائن الدنيا، وخُيِّر بين أن يبقى ما شاء الله وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه، ولكنه لم يصرح بتخييره، واختار في نفسه وإنما قال: إن عبداً خيِّر، فلم يتفطن لذلك أحد غير أبي بكر الصديق. فتح الباري شرح صحيح البخاري، 3376.

[23] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 6240 -242.

[24] الشريعة للآجري، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي، 1242، الطبعة: الثانية، دار الوطن الرياض السعودية، 1420 - هـ 1999م.

[25] قوله: سيدا كهول أهل الجنة اعتبر ما كانوا عليه في الدنيا وإلا لم يكن في الجنة كهل، كقوله تعالى: ﴿وآتوا اليتامى أموالهم﴾ شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، تحقيق: د. عبد الحميد هنداوي، 6059، الطبعة: الأولى، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة الرياض، 1417 هـ - 1997م.

[26] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره عن مناقب الصحابة رجالهم، ذكر البيان بأنَّ الصديق والفاروق يكونان في الجنة سيدي كهول الأمم، 6904.

[27] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الصلاة عن رسول الله، باب ما جاء في التعجيل بالظهر، تحقيق: بشار عواد معروف، 155، دار الغرب الإسلامي بيروت.


 

بقلم/ د. حمدي طنطاوي محمد