مُحرّرا فتقبّل منّي
فدعاوى التحرر الزائفة تقدم معنى معكوسا للحرية، فتزعم أن الحرية هي التحرر من تعاليم الله، لكنّ الحرية الحقيقية التي تجدر بالإنسان الذي خلقه الله حُرّا، هي التحرر من عبودية ما سوى الله
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
كتب الأستاذ هاني مراد
لقد توجهت امرأة عمران إلى ربها بأثمن وأحبّ ما لديها؛ بجنينها الذي تفتديه بنفسها، خالصا لله وحده، ومُحرّرا من كل قيد وشرك بغير الله. فكلما كان الخضوع لتعاليم الله، كان التحرر من عبودية ما سواه، مهما ظهر خلاف ذلك.
فدعاوى التحرر الزائفة تقدم معنى معكوسا للحرية، فتزعم أن الحرية هي التحرر من تعاليم الله، لكنّ الحرية الحقيقية التي تجدر بالإنسان الذي خلقه الله حُرّا، هي التحرر من عبودية ما سوى الله؛ سواء كانت هذه العبودية خضوعا لأفكار أو قيم أو معايير غير إلهية، أو عقل، أو فرد، أو شبهة، أو شهوة!
ولأنّ المؤمن متحرر من كل عبودية لغير الله، فإنه يعلم أن ربّ الأسباب والقوانين، هو الله، وأنه تعالى إذا شاء سبّب هذه الأسباب والقوانين أو عطّلها بالكلية؛ فهو تعالى يرزق مريم، حتى يَعجب نبيّ الله، فتقول له: "هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب."
ومع أن زكريا عليه السلام كان يدرك ذلك بداهة، إلا أنّ نفسه- عليه السلام- تحرّكت بمعجزات مريم، حتى إنه طلب ما لا تدركه الأسباب. فمع أن سِنّه قد طعنت، وامرأته قد عقرت، إلا أنّ للحقيقة المشاهدة بالعينين، والواقع المُعاش على الحقيقة، شأن آخر، فجاشت نفسه بدعاء ربه بالذرية الطيبة، حتى تواصل قافلة الأنبياء سيرها، وحتى تمتد الكلمة الطيبة على لسان الذرية الطيبة. فجاءت الإجابة والبشرى من خالق الأسباب سريعة، وعلى لسان الملائكة، وهي رزق من عند الله، لأنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.
وفي هذا درس لمعنى الحرية، ودرس لمن يعبدون الأسباب دون رب الأسباب. فها هي مريم وزكريا وامرأة عمران، عندما أخلصوا التوحيد، أخضع الله تعالى لهم الأسباب! فلا حقيقة مطلقة سوى الله تعالى ومشيئته، وكل ما سواه خاضع لمشيئته.