بركة العمل في الزمان والمكان
محمد سيد حسين عبد الواحد
قلت : وإذا كان العمل الصالح في الزمان الشريف أعظم أجراً , وإذا كان العمل في المكان الشريف أيضا أعظم أجراً فإن اقتراف الذنوب والسيئات في الأزمان الشريفة وفي المواضع الشريفة تكون أشد جرماً وأبشع قبحاً ..
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم
اقتضت حكمة الله تعالي أن يخلق الخلائق وأن يرزقهم وأن يحفظهم, واقتضت حكمته سبحانه وتعالي فوق ذلك:
أن يفضل بعضهم علي بعض " {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} "
فبعض الملائكة أفضل من بعض, وبعض الأنبياء خصهم الله تعالي بما لم يخص به بعض قال النبي عليه الصلاة والسلام
" « فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيَتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّو» نَ "
وفضل الله تعالي بعض الليالي فضّل ليلة النصف من شعبان وفضل العشر الأواخر من رمضان وفضّل ليلة القدر " {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ , وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ , لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} "
وفضّل الله تعالي بعض الساعات علي بعض .. فضّل الوقت ما بين الأذان والإقامة , فضّل وقت السَّحر قَالَ النبي عليه الصلاة والسلام «إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى سُؤْلَهُ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْر»
وفضل بعض الأيام , , فضّل يوم عرفة , فضّل يوم الفطر , فضل يوم النحر , فضّل أيام التشريق , فضّل يوم عاشوراء , فضّل العشر أيام الأُول من ذي الحجة , وفضّل يوم الجمعة ..
«ورد أَنَّ رَجُلًا، مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنِ الْجُمُعَةِ، مَاذَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَتَاهُ إِيَّاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ مَأْثَمًا أَوْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، فَمَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا سَمَاءٍ، وَلَا أَرْضٍ، وَلَا جَبَلٍ إِلَّا وَهُوَ يُشْفِقُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» "
وفضل الله تعالي بعض شهور السنة علي بعض.. فالأشهر الحرم وشهر رمضان أفضل شهور السنة بلا منازع ..
وكما فضّل الله تعالي بعض الزمان علي بعض .. فضل الله بعض المواضع وبعض الأماكن علي بعض فأفضل البقاع المساجد , وأفضلها علي الإطلاق المسجد الحرام ثم مسجد النبي صلي الله عليه وسلم ثم المسجد الأقصى , وخير البلاد مكة شرفها الله ثم المدينة المنورة بنور صاحبها صلي الله عليه وسلم .
هذه سنة الله تعالي في خلقه .. والله يفعل في ملكه ما شاء, لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون .
اللّه تعالي هو الفعال لما يريد , يعظّم من أمره ما شاء ..
قال قتادة : فعظّموا ما عظّم اللّه ، فإنّما تعظّم الأمور بما عظّمها اللّه عند أهل الفهم وأهل العقل.
وهنا ينشأ سؤال يقول : ما دلالة ما سبق ذكره ؟؟
قلت : دلالته بيان أن من الزمان ما يعرف بالزمان الشريف , ومن المكان ما يعرف بالمكان الشريف ..
وإذا كان للعبد المؤمن عمل صالح فوقع ذلك في زمان شريف كان ذلك العمل أعظم أجراً وخير دليل علي ذلك ..
صيام يوم عرفة :ورد في الصحيح " «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» "
صيام عاشوراء :ورد في الصحيح " وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»
وكذا العمل الصالح في رمضان , وأعظم ما في رمضان قيامه وصيامه قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يروي عن ربه «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ» فإذا وقع العمل الصالح في زمان شريف كان العمل أعظم أجرا وأشد بركة ..
قلت وكذلك إذا وقع العمل الصالح في موضع من المواضع الشريفة .. كان العمل أعظم أجرا .
قال : عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ بَيْنَمَا ابْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُنَا إِذْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَفْضُلُ بِمِائَةٍ» » قَالَ عَطَاءٌ: فَكَأَنَّهُ مِائَةُ أَلْفٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، هَذَا الْفَضْلُ الَّذِي تَذْكُرُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحْدَهُ أَوْ فِي الْحَرَمِ؟ قَالَ: لَا بَلْ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّ الْحَرَمَ كُلَّهُ مَسْجِدٌ .
قلت : وإذا كان العمل الصالح في الزمان الشريف أعظم أجراً , وإذا كان العمل في المكان الشريف أيضا أعظم أجراً فإن اقتراف الذنوب والسيئات في الأزمان الشريفة وفي المواضع الشريفة تكون أشد جرماً وأبشع قبحاً ..
" {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} "
قلت: وقد خصت هذه الأشهر الحرم بضرورة التحفظ من الظلم سواء للنفس أو للغير بسبب أنها زمان الشريف والجرم في الزمن الشريف أبشع وأقبح .
وفي سورة الحج : " { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} "
قال المفسرون : وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّةِ الْحَرَمِ أَنَّهُ يعاقَب الْبَادِي فِيهِ الشَّرَّ، إِذَا كَانَ عَازِمًا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُوقِعْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ:
قلت: وهذا لأن الحرم الشريف هو أشرف بقاع الأرض بلا منازع .
سأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشرح صدورنا لطاعته وأن يرزقنا خشيته إنه ولي ذلك ومولاه .