كن حذرا

محمد سيد حسين عبد الواحد

ومن هنا كان لزاما عليك أخي ألا تصدق كذابا ولا تأتمن خوّانا ولا تصحب ماكرا ولا تفضي بسرك إلي أفاق ومن غدر بك مرة فلا تثق به أخري..

  • التصنيفات: الآداب والأخلاق -

أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}

وفي الصحيح من حديث أَبِي مُوْسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» .

أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم اليوم موعدنا بعون الله تعالي لنتحدث عن ضرورة أن يكون المؤمن حذرا..

وكثير من آيات الله عز وجل تقول للمسلم ( كن حذرا )
وكثير من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام تقول للمسلم ( كن حذرا )

قال الله تعالي (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) وقال (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) وقال (وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ )

وفي صحيح السنة حذر النبي عليه الصلاة والسلام من قائمة طويلة عريضة من مساوئ الأعمال والأخلاق..

حذر من الكذب فقال (وإياكم والكذب)
وحذر من الحسد فقال (إياكم والحسد)
وحذر من محقرات الذنوب فقال (إياكم ومُحقراتُ الذنُوبِ) وحذر من الشح فقال (إياكم والشُح)
وحذر من الدخول علي النساء فقال (إياكم والدخول على النساء)

لماذا أيها المؤمنون ؟
لماذا يتوجب علي المسلم أن يكون حذرا ؟؟
وما الذي يجب علي المسلم أن يحذر منه ؟

المسلم يجب أن يتصف بالحذر والحيطة واليقظة لأنه ببساطة يعيش في دنيا ..

دنيا لا تثبت أبدا علي حال واحدة فيوم حلو ويوم مر ويوم لك ويوم عليك ويوم فيه سراء ويوم فيه ضراء هذه هي الدنيا وهذه هي طبيعتها ( وتلك الأيام نداولها بين الناس )

ليست كل بيضاء شحمة وليست كل سوداء فحمة وليس كل لامع ذهبا لذلك يجب عليك أن تكون حذرا..

ثم إن الناس في الدنيا ليسوا علي حال واحدة فمن الناس وفيٌّ ومن الناس غدار ومن الناس طيب ومن الناس خبيث ومن الناس محب ومن الناس حاقد ومنهم الصديق ومنهم العدو ومن الناس من يشكر المعروف ومن الناس من يعض اليد التي أحسنت إليه ..

يذكر لنا من سبقنا علما وفضلا في حادثة جرت :
أن رجلا ارتكب جرما فآوي إلي بيت كرام فستروا عليه وآووه حتي سكت عنه الطلب وحتي نسي الناس فعلته..

وصاحب الدار في كل هذا يحسن إليه ويطعمه ويسقيه ويكرمه فلما هدأت العيون عنه وسكت الناس عن البحث عنه قام ذلك المجرم إلي صاحب الدار فقتله ..!!

ولما سئل لما قتلت من أحسن إليك قال : لأني كلما نظرت إليه ذكرت فضله عليّ فيضيق صدري ..
قلت ولا أجد مصداقا لهذا إلا قول الله عز وجل ( {وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} )
هذا للأسف الشديد هو حال بعض الناس والله المستعان

من هنا كان لزاما عليك أخي أن تكون حذرا ..
من هنا كان لزاما عليك أن تكون يقظا .. مع العدو ومع الصديق , كن حذرا مع القريب ومع البعيد كن يقظا في السراء والضراء وقديما قالوا احذر من عدوك مرة واحذر من صديقك ألف مرة ..

وهذا لا تفهم منه أنه يفترض بك أن تخوّن الناس ولا أن تسيئ الظن بهم .. ليس معني أنك حذر أن تتهم الناس في صدقهم وأمانتهم وعدالتهم ونزاهتهم..

وإنما المقصود أن تحتاط لنفسك أن تكون واعيا أن تكون يقظا لكل ما يدور حولك..

قال إياس بن معاوية عليه رحمة الله" لستُ بِخَبٍّ ولا الخَبُّ يخدعني "
والمعني لست مخادعا لست ماكرا وأتنبه لغيري وأحذر حتي لا يخدعني أحد..

ومن هنا كان لزاما عليك أخي ألا تصدق كذابا ولا تأتمن خوّانا ولا تصحب ماكرا ولا تفضي بسرك إلي أفاق ومن غدر بك مرة فلا تثق به أخري..

فعدوك عدوك وعدو دينك هو عدو دينك مهما حصل ( {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} ) ( {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} )

مهما طال الزمان ومهما كان بينك وبينه من عهود ومواثيق فعدوك سيبقي عدوك وعدو دينك سيبقي هو عدو دينك فاحذره ولا تأمنه ولا تغفل عنه يوما من الأيام..

( {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } )

ورد في صحيح السنة أنه (لا يُُلسع المؤمن من جحر واحد مرتين)
ثبت هذا فيما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام وفي رواية "لاَ يُلْدَغُ المؤمن من جُحْرٍ مرَّتَيْن"

ورد في سبب ورود هذا الحديث أنه لما كان يوم بدر شرط رسول الله علي الأُساري من المشركين فداء أنفسهم بمال أو بما يقوم مقامه .. إلا أن رسول الله قد منّ علي بعض الأساري ففك اسرهم بلا فداء منهم ( أبو عزة )..

وما أبو عزة ؟؟
هو رجل من قريش هو شاعر من شعراء المشركين وكانت له قصائد لاذعة يسب فيها رسول الله ويهزأ به فيها فلما كان يوم بدر وقع أبو عزة هذا أسيرا في يد النبي عليه الصلاة والسلام..

فقال أبو عزة للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد إن لي خمس بنات ليس لهن شيء فتصدق بي عليهن ثم تابع كلامه وشرط علي نفسه وقال وأعطيك عهدا أن لا أقاتلك ولا أكون مع أحد عليك أبدا ، فرحمه رسول الله وفك أسره بلا فداء علي ألا يذكره في شعره ولا يقاتله ولا يكن مع أحد عليه ..

وبعد عام واحد فقط خرجت قريش إلى غزو المدينة في يوم أحد ..
فجاء صفوان بن أمية إلي أبي عزة فقال أبا عزة اخرج معنا فقال إني قد أعطيت محمدا موثقا أن لا أقاتله فضمن صفوان أن يجعل بنات أبي عزة مع بناته إن قتل وإن عاش أعطاه مالا كثيرا..

ولم يزل صفوان بأبي عزة حتى أخرجه مع قريش يوم أحد فأسر أبو عزة ولم يؤسر غيره من قريش فلما أتي به إلي النبي صلي الله عليه وسلم قال يا محمد إنما أخرجت كرها ولي بنات فامنن علي ...

فقال النبي عليه الصلاة والسلام أبا عزة " أين ما أعطيتني من العهد والميثاق ؟ فقال يا محمد إنما أخرجت رغما عني ولي بنات فامنن عليّ ولك عليّ ألا أقاتلك بعدها ..

فقال النبي لا والله لا تمسح عارضيك بمكة وتقول : سخرتُ بمحمد مرتين " ثم قال النبي هذا الحديث " إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين"..

من هنا كان لزاما علي المؤمن أن يكون حذرا في الأمور كلها ..
من هنا كان لزاما علي المؤمن أن يكون يقظا في الأمور كلها يحذر صديقه ويحذر من عدوه يحذر من خواطره يحذر من أفكاره يحذر من نظرته يحذر من كلمته يحذر لمطعمه ومشربه يحذر من ذنبه أن يقف ذلك الذنب حجابا بينه وبين الله تعالي ..

فربكم جل في علاه يغار أن ينتهك العبد محارمه ربكم جل في علاه يغضب أن يجعله العبد أهون الناظرين إليه وإذا الله عز وجل غضب فلا يقوم لغضبه شيء في الأرض ولا في السماء..

وإن لنا فيمن سبقنا عبرة ..
إن عبدا أغضب ربه يوما فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلي يوم القيامة , وإن قوما أغضبوا ربهم يوما فأمطر عليهم من السماء نارا وإن قوما كذبوا بآيات ربهم وعصوا رسله فأمطر عليهم حجارة من السماء وإن قرية خالف أهلها أمر ربهم واحتالوا عليه فمسخهم الله قردة وخنازير

( {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } )

كن حذرا لنظرة تنظرها كن حذرا من لقمة تأكلها كن حذرا من كلمة .. كن حذرا من فكرة .. كن حذرا من خطوة .. أن تكون حراما فيعاقبك الله تعالي عليها..

وقديما قالوا ( من كان حذرا قل زلله وصار صوابه أكثر من خطئه )

في سورة الشوري آية تقول (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )

ورد أن هذه الآية لما نزلت قال النبي عليه الصلاة والسلام لا يصيب ابن آدم خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر .

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا جميعا من الزلل وأن ينجينا برحمته من سوء العمل .

________________________

بقي لنا في ختام الحديث عن ضرورة أن يكون المسلم يقظا بقي لنا في ختام الحديث عن ضرورة أن يكون المسلم حذرا مع صديقه ومع عدوه..

بقي لنا في ختام الحديث عن ضرورة أن يكون المسلم حذرا لحركة لسانه ولنظرة عينيه ولمطعمه ومشربه بقي لنا أن نقول كما علي المؤمن أن يحذر ذنبه حتي لا يحول بينه وبين ربه نقول علي المؤمن كذلك أن يحذر علي صالح عمله وكيف يحذر المؤمن علي عمله الصالح ؟

يجعله خالصا لوجه الله تعالي ويتيقظ حتي لا يدخل علي عمله الرياء .. ذلك أن الرياء إذا دخل علي حسنة أذهبها وإذا دخل علي عمل صالح أفسده..

فيقظة المسلم تعني أن يبقي عملك الصالح خالص لوجه الله تعالي لا تقصد رياء ولا سمعة ولا شهرة ولا تنتظر من أحد ثناء ولا مدحا..

( { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} )

نسأل الله تعالي أن يرزقنا الإخلاص قولا وعملا إنه ولي ذلك ومولاه