العودة إلى يبوت الله

فارفع يديك للمعبود مخبتا يا رب أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد فكلاهما مكمل للآخر، وفيهما جميعا صلاح الأحوال.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


ها أنت يا عبد الله تحمل سجادتك فرحا مخبتا وجلا حال أو قبيل سماعك حي على الصلاة وقد مضت بك الأيام ومسامعك لا يفارقها صلوا في بيوتكم
فأي الأمرين كان لك فيه خيار وأيهما ليس لك فيه خيار

فسحة بينك وبين الإمام وأخرى خلفك وعلى جانبيك أيضا وأنت الفقير الضعيف لا تملك لنفسك ضرا ولا نفعا ولا حياة ولا نشورا، هل كل ذا كاف لأتقاء شر الوباء،
أم هي أسباب أمرت شرعا بالأخذ بها حتى أنها لتذكرك بضعفك وفقرك وقلة حولك وطولك.

والكمامة تغطي فمك وأنفك، والباب مفتوح والطريق واسع، إلى أين توجهك يا عبد الله، إلى العزيز الغفار الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.

وفسحة أخرى أشد وأعظم من هذه - خلق كثير - ميزك ربك عنهم، لم يعيروا مسامعهم وأبصارهم وقلوبهم أي إنتباه لبيوت الله ونداء حي على الصلاة ولم يميزوا بين الفارق العظيم بين صلوا في بيوتكم وحي على الصلاة من آيات وعبر وتحذيرات ورحمة وبلاء وقدرة وضعف وفقر وغنى، هذا الاختيار يا عبد الله يحتاج لشكر المنعم على ذلك كله،

ذُكِر أن أعرابيا: “دخل على الرشيد, فقال يا أمير المؤمنين ثبت الله عليك النعم التي أنت فيها بإدامة شكرها, وحقق لك النعم التي ترجوها بحسن الظن به ودوام طاعته, وعرّفك النعم التي أنت فيها ولا تعرفها لتشكرها؛ فأعجبه ذلك منه وقال: “ما أحسن تقسيمه”.

فهذه نعمة عادت إليك يا عبد الله فإطلب من الله تثبيتها بطاعتك وإخباتك ووجلك وشكرك، وأحسن الظن بربك فيما ترجو من رفع الوباء والحفظ والهدى والسداد والرشاد.

والشكر -يا عبد الله فضائله كثيرة لا يقادر قدرها ؛ فهو سبب لنيل مرضاة الله، وهل أعظم من الشكر على العودة إلى بيوت الله ( المساجد) وهو سبحانه أكرم الأكرمين يرى مسارعتك وإشتياقك وإخلاص وتوبتك وشكرك

قال سبحانه في كتابه العزيز: (
{وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} )[الزمر: 7]،

وفي الشكر زيادة للشاكر، ليست كأية زيادة، هي من عند من يملكها في مبتداها ومنتهاها ، قال تعالى: (
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} )[إبراهيم: 7]؛

قال الحسن البصري -رحمه الله-: “إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يُشكر عليها قلبها عذابًا.

فهذا أوان الشكر وفاتحة خير إن شاء الله، اللهم أدمها علينا نعمة يا رب العالمين، وإجعل قلوبنا ممن تعلقت في مساجدك

واحمد الله يا عبد الله وأنت تروح بسجادتك وكمامتك وضعفك وتباعدك إلى القريب السميع المجيب وترفع يديك مكبرا الله أكبر

و تستشعر أن الله أكبر منك ومن كمامتك وطريقك وسجادتك وإخباتك ووجلك ورجائك وأكبر مما تسبب به هذا الوباء، وأقدر على رفعه وحفظك والمسلمين.

فالله العليم الحكيم يعلم بفرحك ومسارعتك وانتظارك ومبادرتك ومفارقتك عن كثير من خلقه ممن أمرهم في كل الأحوال سيان سواء سمعوا صلوا في بيوتكم أو حي على الصلاة، لم يتغير عليهم شيء

وأنت أصبحت تحس بزيادة التكليف ومراقبة النفس وعدم الكسل والتسويف وأن المسؤولية عظيمة والأمر جدا يقتضي التضرع للواحد القهار.

نعم هو ذا الوقت الذي تعرف فيه حقيقة الطاعة والإخلاص والخضوع والتوكل والأخبات والأنابة

ولكن كل ذلك يحتاج إلى عزيمة تمتلك إمضائها، لترتقي في أعلى المراتب

فارفع يديك للمعبود مخبتا يا رب أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد فكلاهما مكمل للآخر، وفيهما جميعا صلاح الأحوال.

ونسأل الله أن يرفع عنا وعن المسلمين الوباء، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


حمزه عبدالغني المحتسب